كان المجموع كُرّاً ولم يتغيّر بعضه ، لم ينجس ، وكذا لو قطعت النجاسة عمود الماء مع كون الأسفل كُرّاً ، فلو لا تقوّي الأعلى بالأسفل ، لزم نجاسة الأعلى من الأسفل متى نقص عن كُرّ مطلقاً.
وقد قيّد هذا الإطلاقَ جماعة من المتأخّرين كالشهيد (١) والشيخ علي (٢) رحمهمالله ، فذكروا في مسألة الغديرين والقليل المتّصل بالجاري أنّ الاتّحاد لا يحصل بينهما إلا مع تساوي السطوح أو عُلوّ الغدير الكثير والجاري على القليل ، فلو انعكس الفرض بأن كان الغدير القليل أعلى نجس بالملاقاة ، وكذا الواقف المتّصل بالجاري بناءً منهم على أنّ الأعلى لا يتقوّى بالأسفل ، مع أنّهم وافقوا في مسألة الكتاب على التفصيل المتقدّم ، المستلزم لتقوية كلّ منهما للآخر ، وإطلاق النصّ يدلّ عليه.
ويلزمهم من عدم تقوية الأسفل أن ينجس كلّ ما كان تحت النجاسة من الماء المنحدر وإن كثر جدّاً ، وهو غير موافق للحكمة ، ولا يدلّ عليه دليل ، بل يلزم على هذا نجاسة الجاري على القول باشتراط كُرّيّته مع عدم تساوي سطوحه في كلّ ما سفل منه عن النجاسة وإن كان نهراً عظيماً ما لم يكن فوقه منه كُرّ ، وهذا كلّه مستبعد جدّاً بل باطل.
وبالجملة ، فكلام المتأخّرين في المسألة متناقض إلى أن يبدو لنا الفرق بين المقامين ، وأنّى لهم به مع اتّحاد موضوع المسألتين؟ والذي يظهر في المسألة ودلّ عليه إطلاق النصّ : أنّ الماء متى كان قدر كُرّ متّصلاً ثمّ عرضت له النجاسة ، لم تؤثّر فيه إلا مع التغيّر ، سواء كان متساوي السطوح أم مختلفها ، وإن كان أقلّ من كُرّ ، نجس بالملاقاة مع تساوي سطوحه ، وإلا الأسفل خاصّة.
ثمّ إن اتّصل بالكثير بعد الحكم بنجاسته ، اعتبر في الحكم بطهره مساواة سطوحه لسطوح الكثير أو عُلوّ الكثير عليه ، فلو كان النجس أعلى ، لم يطهر.
والفرق بين الموضعين : أنّ المتنجّس يشترط ورود المطهّر عليه ، ولا يكفي وروده على المطهّر ، خلافاً للمرتضى (٣) ، كما سيأتي ، فإذا كان سطحه أعلى من سطح الكثير ، لم يكن الكثير وارداً عليه.
__________________
(١) البيان : ٩٩ ؛ الدروس ١ : ١١٩ ؛ الذكرى ١ : ٨٥.
(٢) جامع المقاصد ١ : ١١٢ و ١١٥.
(٣) مسائل الناصريّات : ٧٣٧٢ ، المسألة ٣.