لكلّ وضوء من حيث هو ، وما بالذات لا يزيله ما بالعرض. وإن كان لما يقع عليه لفظ الطهارة صحيحاً أم لا ، مبيحاً أم لا ، فلا معنى للتقييد بالمبيح للصلاة أو بالصالح لها. (١)
واعتذر عن ذلك بالفرق بين ما اقترن به ما يمنع الإباحة بحالٍ ، كما في وضوء الحائض ، وبين ما أخلّ فيه بشرط لو أتى به لكان مبيحاً ، فكأنّه صالح بالقوّة ، ومن ثَمَّ قال جمع بإباحة المجدّد. ومنهم مَنْ يرى الاكتفاء بالقربة.
وأنت خبير بأنّ هذا الاعتذار اقتضى اختلافهما ، وأنّ أحدهما أقوى من الآخر ، أمّا جواب ما نحن بصدده فلا ؛ لأنّ الكلام إنّما هو على القول بعدم رفعه وعدم الاجتزاء بالقربة ، وحينئذٍ فلا دَخْلَ له في الإباحة على وجه الحقيقة ، وإلا فنحن لا ننازع في أنّه أقوى وأقرب إلى الإباحة ، لكن تعريفهم لا يجتزئ بذلك.
اللهمّ إلا أن ترتكب في التعريف ضرباً من التجوّز. بأن تحمل الإباحة أو الصلاحيّة لها على ما يعمّ القوّة القريبة على معنى أنّه لو أتى ببقيّة الشروط المعتبرة حصلت ، فيندرج في ذلك المجدّد والأغسال المسنونة ، ويخرج عنه وضوء الحائض ، لكن يبقى الكلام في إدخال وضوء الحائض في التقسيم ، وقد مرّ الكلام فيه.
(والنظر) يقع في الطهارة من ستّة أوجه على وجه الحصر الجعلي الاستحساني ، لا العقلي والاستقرائي (في أقسامها وأسبابها) ويندرج فيها واجباتها وكيفيّتها وأحكامها. ويقع النظر فيها من ثلاثة أوجه بحسب تعدّد أنواعها (وما تحصل به) وهو الماء المطلق ، والتراب على ما يأتي (وتوابعها) وهي إزالة النجاسات وتعدادها ، وبقيّة المطهّرات ، وأحكام الأواني.
ووجه ما اختاره من الحصر أنّ البحث إمّا عن المقصود بالذات أولا ، والأوّل إمّا عن تقسيمه وتفصيله على وجه يصير الشارع فيه على بصيرةٍ منه ، وهو النظر الأوّل ، أو عن كيفيّته وما معه من السبب والحكم ، وهو الثاني والثالث والرابع حسب تعدّد أنواعه. وتقديم الثاني والثالث على الرابع ظاهر ؛ لأنّه طهارة اضطراريّة مشروطة بفقد الاختياريّة التي هي المائيّة. والمائيّة قسمان : وضوء وغسل ، وقدّم الوضوء على الغسل ؛ لزيادة الحاجة إليه. والثاني إمّا أن يتوقّف عليه المقصود بالذات أولا ، والأوّل هو الخامس ، وهو
__________________
(١) غاية المراد ١ : ٢٦ ـ ٢٧ وفيه : بالصالح له.