ويجيء توضيح ذلك في لفظ القضية. فالحكم في الشّرطية عندهم في (١) المقدّم والتالي بخلاف أهل العربية فإنّ الحكم عندهم في الجزاء فقط والشرط قيد له. فالجزاء إن كان خبرا فالجملة الشّرطية خبرية ، نحو إن جئتني أكرمك. وإن كان إنشاء فالجملة [الشرطية] (٢) إنشائية ، نحو : إن جاءك زيد فأكرمه ، كما في المطول. وقد سبق تحقيقه في لفظ الإسناد. ثم الشّرطية عند المنطقيين على قسمين لأنّها إن أوجبت أو سلبت حصول إحدى القضيّتين عند حصول الأخرى فمتّصلة ، وإن أوجبت أو سلبت انفصال إحداهما عن الأخرى فمنفصلة. فالمتّصلة الموجبة هي التي حكم فيها باتّصال تحقّق قضية بتحقّق قضيّة أخرى. والسالبة هي التي يحكم فيها بسلب ذلك الاتصال. والمراد (٣) من الحكم بالاتّصال أن يكون مدلوله المطابقي ذلك لئلاّ ينتقض تعريف كلّ من المتّصلة والمنفصلة بالأخرى ، بناء على تلازم الشرطيات.
ثم المتّصلة ثلاثة أقسام ، لأنّها إن اكتفى فيها بمطلق الاتصال إيجابا أو سلبا تسمّى متّصلة مطلقة. وإن قيّد الاتصال بكونه لزوميا سمّيت متصلة لزومية موجبة كانت كقولنا إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود أو سالبة كقولنا ليس إن كانت الشمس طالعة فالليل موجود. وإن قيّد الاتصال بكونه اتفاقيا سمّيت متّصلة اتفاقية موجبة كانت كقولنا إن كان الإنسان ناطقا فالحمار ناهق ، أو سالبة كقولنا ليس إن كان الإنسان ناطقا فالحمار ناهق. اعلم أنّه لا بدّ في اللزومية أن يكون بين طرفيها علاقة توجب ذلك الاتّصال أو سلبه. والمراد (٤) بالعلاقة هاهنا شيء بسببه يستصحب المقدّم التالي ، سواء كان موجبة لذلك الاستصحاب أو لا. فقيد توجب ذلك احتراز عمّا لا يوجبه. والعلاقة على ثلاثة أقسام الأوّل. أن يكون المقدّم علّة للتالي كما في قولنا إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. والثاني بالعكس كما في قولنا إذا كان النهار موجودا فالشمس طالعة. والثالث أن يكون كلاهما معلولين بعلّة واحدة كما في قولنا إن كان النهار موجودا فالعالم مضيء ، فإنّ وجود النهار وإضاءة العالم معلولان لطلوع الشمس. هكذا في شروح السلم.
وأمّا الاتفاقيات فإنها وإن كانت مشتملة على علاقة باعتبار أنّ المعية في الوجود لا بدّ له من علة لأنّها أمر ممكن إلاّ أنّ العلاقة فيها غير موجبة لاستصحاب التالي المقدّم ، بخلاف اللزوميات حتى إذا لاحظ العقل المقدّم حكم بامتناع انفكاك التالي بداهة أو نظرا. مثلا إذا لاحظ العقل أنّ طلوع الشمس علّة لوجود النهار يحكم بامتناع انفكاك وجود النهار عند طلوع الشمس. وإذا لاحظ نهيق الحمار عند نطق الإنسان لا يحكم بامتناع الانفكاك بينهما. وبالجملة فاللزومية ما حكم فيها بوقوع الاتصال بين الطرفين لعلاقة توجب ذلك أو بلا وقوع ذلك الاتصال. والاتفاقية ما حكم فيها بوقوع الاتصال بين الطرفين أو بلا وقوعه لا لعلاقة ، أي من غير وجود علاقة تقتضي ذلك ، أو من غير اعتبارها. فعلى التوجيه الأوّل لا تجتمع اللزومية والاتفاقية بخلاف التوجيه الثاني. والمنفصلة الموجبة هي التي يحكم فيها بالتّنافي بين القضيتين ، إمّا في الصدق والكذب معا أي في التحقّق والانتفاء معا وتسمّى منفصلة حقيقية
__________________
(١) بين (م ، ع).
(٢) الشرطية (+ م ، ع).
(٣) والمقصود (م ، ع).
(٤) والمقصود (م ، ع).