السلام. وقد يخصّ الشرع بالأحكام العملية الفرعية وإليه يشعر (١) ما في شرح العقائد النسفية : العلم المتعلّق بالأحكام الفرعية يسمّى علم الشرائع والأحكام ، وبالأحكام الأصلية يسمّى علم التوحيد والصفات انتهى. وما في التوضيح من أنّ الحكم بمعنى خطاب الله تعالى على قسمين : شرعي أي خطاب الله تعالى بما يتوقّف على الشّرع ولا يدرك لو لا خطاب الشارع كوجوب الصلاة ، وغير شرعي أي خطابه تعالى بما لا يتوقّف على الشّرع بل الشّرع يتوقّف عليه كوجوب الإيمان بالله ورسوله انتهى. وما في شرح المواقف من أنّ الشرعي هو الذي يجزم العقل بإمكانه ثبوتا وانتفاء ولا طريق للعقل إليه ، ويقابله العقلي وهو ما ليس كذلك انتهى. ويجيء ما يؤيد هذا في لفظ الملة. وقد يطلق الشّرع على القضاء أي حكم القاضي كما مرّ في لفظ الديانة.
ثم الشّرعي كما يطلق على ما مرّ كذلك يطلق على مقابل الحسّي. فالحسّي ماله وجود حسّي فقط ، والشّرعي ماله وجود شرعي مع الوجود الحسّي كالبيع فإنّ له وجودا حسّيا ، فإنّ الإيجاب والقبول موجودان حسّا ، ومع هذا له وجود شرعي ، فإنّ الشرع يحكم بأنّ الإيجاب والقبول الموجودان حسّا يرتبطان ارتباطا حكميّا ، فيحصل معنى شرعي يكون الملك أثرا له ، فذلك المعنى هو البيع ، حتى إذا وجد الإيجاب والقبول في غير المحلّ لا يعتبره الشّرع ، كذا في التوضيح. وفي التلويح وقد يقال إنّ الفعل إن كان موضوعا في الشرع لحكم مطلوب فشرعي وإلاّ فحسّي انتهى.
وقيل الشرع المذكور على لسان الفقهاء بيان الأحكام الشرعية والشريعة كلّ طريقة موضوعة بوضع إلهي ثابت من نبي من الأنبياء ، ويطلق كثيرا على الأحكام الجزئية التي يتهذّب بها المكلّف معاشا ومعادا ، سواء كانت منصوصة من الشارع أو راجعة إليه. والشّرع كالشريعة كلّ فعل أو ترك مخصوص من نبي من الأنبياء صريحا أو دلالة ، فإطلاقه على الأصول الكلّية مجاز وإن كان شائعا ، بخلاف الملّة فإنّ إطلاقها على الفروع مجاز. وتطلق على الأصول حقيقة كالإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه وغيرها ، ولا يتطرّق النسخ فيها ولا يختلف الأنبياء فيها ، لأنّ الأصول عبارة عن العقائد وكلّها إخبار ولا يمكن النّسخ في الإخبار ، وإلاّ يلزم منه الكذب ، والتكذيب ولا يسوغ فيها اختلاف الأنبياء ولا يلزم كذب أحد النبيين أو اجتماع النقيضين في الواقع ، بل إنّما يجري النّسخ والاختلاف في الإنشاءات ، أي الأوامر والنواهي.
والشّرع عند أهل السنة ورد منشأ للأحكام. وعند أهل الاعتزال ورد مجيزا لحكم العقل ومقرّرا له لا منشأ ، وقوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) (٢) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه : الشّرعة ما ورد به القرآن والمنهاج ما ورد به السّنة. وقال مشايخنا ورئيسهم الإمام أبو منصور الماتريدي : ما ثبت بقاؤه من شريعة من قبلنا من الرّسل بكتابنا أو بقول رسولنا صار شريعة لرسولنا فيلزمه ويلزمنا على أنّه شريعة رسولنا لا شريعة من قبلنا ، لأنّ الرسالة سفارة العبد بين الله وبين ذوي العقول [من عباده] (٣) ليبيّن ما قصرت عنه عقولهم من أمور الدنيا والدّين. فلو لزمنا شريعة من قبلنا كان رسولنا رسولا ، من قبله سفيرا بينه وبين أمّته لا رسول الله تعالى ، وهذا فاسد باطل ، كذا في كليات أبي البقاء.
__________________
(١) يشير (م).
(٢) المائدة / ٤٨.
(٣) من عباده (+ م ، ع).