النبي صلىاللهعليهوسلم بالشّرك ، واستدل عليه (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١) ، وغير ذلك مما سألوا عنه عليه الصلاة والسلام. ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه مع أحكام الظواهر لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلّم ، فنحن أشد احتياجا إلى التفسير.
وأما شرفه فلا يخفى ، قال الله تعالى (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (٢). وقال الأصبهاني (٣) : شرفه من وجوه : أحدها من جهة الموضوع ، فإن موضوعه كلام الله تعالى الذي [هو] (٤) ينبوع كل حكمة ومعدن كل فضيلة. وثانيها من جهة الغرض ، فإنّ الغرض منه الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقية التي هي الغاية القصوى. وثالثها من جهة شدّة الحاجة ، فإنّ كل كمال ديني أو دنيوي مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية ، وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى.
فائدة
اختلف الناس في تفسير القرآن هل يجوز لكل أحد الخوض فيه؟ فقال قوم لا يجوز لأحد أن يتعاطى تفسير شيء من القرآن وإن كان عالما أديبا متّسعا في معرفة الأدلة والفقه والنحو والأخبار والآثار ، وليس له إلاّ أن ينتهي إلى ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم في ذلك. ومنهم من قال : يجوز تفسيره لمن كان جامعا للعلوم التي يحتاج المفسّر إليها وهي خمسة عشر علما : اللغة والنحو والتصريف والاشتقاق والمعاني والبيان والبديع وعلم القراءات ، لأنه يعرف به كيفية النطق بالقرآن ، وبالقراءات يرجح بعض الوجوه المحتملة على بعض ، وأصول الدين أي الكلام وأصول الفقه وأسباب النزول والقصص إذ بسبب النزول يعرف معنى الآية المنزلة فيه بحسب ما أنزلت فيه ، والناسخ والمنسوخ ليعلم المحكم من غيره والفقه والأحاديث المبيّنة لتفسير المبهم والمجمل ، وعلم الموهبة ، وهو علم يورثه الله تعالى لمن عمل بما علم ، وإليه الإشارة بحديث «من عمل بما علم أورثه الله تعالى علم ما لم يعلم» (٥). وقال البغوي (٦) والكواشي (٧) وغيرهما : التأويل ، وهو صرف الآية إلى معنى موافق لما
__________________
(١) لقمان / ١٣.
(٢) البقرة / ٢٦٩.
(٣) الأصبهاني : هو الحسين بن محمد بن المفضل ، أبو القاسم الأصفهاني أو الأصبهاني المعروف بالراغب. توفي حوالي العام ٥٠٢ هـ / ١١٠٨ م. أديب ، من الحكماء العلماء واشتهر أمره حتى قرن بالإمام الغزالي. له الكثير من المؤلفات. الأعلام ٢ / ٢٥٥ ، روضات الجنان ٢٤٩ ، كشف الظنون ١ / ٣٦ ، تاريخ حكماء الإسلام ١١٢ ، تاريخ آداب اللغة ٣ / ٤٤ ، بغية الوعاة ٣٩٦ ، الذريعة ٥ / ٤٥ ، سفينة البحار ١ / ٥٢٨ وغيرها.
(٤) هو (+ م ، ع).
(٥) أخرجه العجلوني في كشف الخفاء ، ٢ / ٣٤٧ ، الحديث رقم ٢٥٤٢ ، وقال عقبه : رواه أبو نعيم عن أنس. ورجعت إلى الحلية فلم أجده بهذا اللفظ ، ووجدته بلفظ : «من عمل بعلم الرواية ورث علم الدراية ، ومن عمل بعلم الدراية ورث علم الرعاية ، ومن عمل بعلم الرعاية هدي إلى سبيل الحق». عن أبي بكر بن أبي قعدان. ج ١٠ / ٣٧٧ ، ترجمة أحمد بن أبي سعدان رقم ٦٥٠ ، وعنه : من عمل بما علم هدى واهتدى.
(٦) البغوي : هو الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء. ولد عام ٤٣٦ هـ / ١٠٤٤ م وتوفي عام ٥١٠ هـ / ١١١٧ م في مروالروذ. لقب بمحيي السنة ، فقيه ، محدث ومفسر ، وله العديد من المصنفات. الأعلام ٢ / ٢٥٩ وفيات الأعيان ١ / ١٤٥ ، تهذيب ابن عساكر ٤ / ٣٤٥ ، دائرة المعارف الإسلامية ٤ / ٢٧.
(٧) الكواشي : هو أحمد بن يوسف بن الحسن بن رافع بن الحسين بن سويدان الشيباني الموصلي ، موفق الدين ابو