الله صلىاللهعليهوسلم «لكل آية ظهر وبطن ، ولكل حرف حدّ ، ولكل حدّ مطلع» (١). قلت أما الظهر والبطن ففي معناه أوجه : أحدها انك إذا بحثت عن باطنها وقسته على ظاهرها وقفت على معناها. والثاني ما من آية إلاّ عمل بها قوم ولها قوم سيعملون بها ، كما قاله ابن مسعود (٢) فيما أخرجه. والثالث أن ظاهرها لفظها وباطنها تأويلها. والرابع وهو أقرب إلى الصواب أنّ القصص التي قصّها الله تعالى عن الأمم الماضية وما عاقبهم به ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين ، وباطنها وعظ الآخرين وتحذيرهم أن يفعلوا كفعلهم. والخامس أن ظهرها ما ظهر من معانيها لأهل العلم بالظاهر ، وبطنها ما تضمنه من الأسرار التي أطلع الله عليها أرباب الحقائق. ومعنى قوله ولكل حرف حدّ أي منتهى فيما أراد من معناه ، وقيل لكل حكم مقدار من الثواب والعقاب. ومعنى قوله ولكل حدّ مطلع ، لكل غامض من المعاني والأحكام مطلع يتوصّل به إلى معرفته ويوقف على المراد به ، وقيل كلّ ما يستحقه من الثواب والعقاب يطلع عليه في الآخرة عند المجازاة. وقال بعضهم الظاهر التلاوة ، والباطن الفهم ، والحدّ أحكام الحلال والحرام ، والمطلع الإشراف على الوعد والوعيد. قال بعض العلماء : لكل آية ستون ألف فهم ، فهذا يدلّ على أنّ في فهم المعاني للقرآن مجالا متسعا ، وأن المنقول من ظاهر التفسير ليس ينتهي الإدراك فيه بالنقل والسماع [بل] (٣) ، لا بدّ منه في ظاهر التفسير لتتقى به مواضع الغلط ، ثم بعد ذلك يتّسع الفهم والاستنباط ، ولا يجوز التهاون في حفظ التفسير الظاهر ، بل لا بدّ منه أوّلا ، إذ لا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل أحكام الظاهر. هذا كله نبذ مما وقع في الاتقان ، وإن شئت الزيادة فارجع إليه.
علم القراءة :
وهو علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ، وموضوعه القرآن من حيث إنه كيف يقرأ.
__________________
ـ رافق المفهوم الاشراقي الشرقي ، ودلّ على المعرفة بالنور ، أصل من أصلين عند الفرس.
ـ عبّر عن التيار الصوفي الاسلامي وطريقته في المعرفة والتيار الباطني وطريقته في التأويل. وقد ميّز الفكر الحديث ، بمؤتمر مدينةMiine بايطاليا عام ١٩٦٦ م بين العرفان والعرفانية ، معتبرا أن العرفان هو المعرفة الإلهية يخصّ صفوة من الناس. أما العرفانية فهي مذاهب دينية متعدّدة ومختلفة ، كثرت في القرن الثاني الميلادي ، تتفق على جامع واحد مفاده : أنها ترقى إلى معرفة تفوق المعرفة العقلية وتسمو عليها ، إنها المعرفة الباطنية.
Jambet, Ch., la Logique des Orienteaux, Paris ، ١٩٨٣ ، P. ١٧١.
ولعلّ هذه المذاهب ترجع إلى مذهب هرمس الهرامس ـ أو ادريس ، أخنوخ الفرعوني ـ وهرمس لغة سريانية تعني العالم ، لمزيد من التفصيل عن كل هذا التيار. (العجم ، رفيق ، أثر الخصوصية العربية في المعرفية الاسلامية ، بيروت ، ١٩٩٢ ، ج ١ ، فصل العرفان).
(١) لكل آية ظهر وبطن ، ولكل حرف حد ، ولكل حد مطلع. أخرجه البيهقي في الشعب ، ٢ / ٤٨٥ ، عن معقل بن يسار ، باب في تعظيم القرآن (١٦) ، فصل في فضائل السور ، الحديث رقم ٢٤٧٨ ، بلفظ : «... لكل آية نور يوم القيامة ...».
(٢) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي ، ابو عبد الرحمن. توفي بالمدينة المنورة عام ٣٢ هـ / ٦٥٣ م.
صحابي جليل. من اهل مكة. من السابقين للاسلام. خدم الرسول وصاحبه. من أكابر الصحابة علما وورعا.
الاعلام ٤ / ١٣٧ ، غاية النهاية ١ / ٤٥٨ ، صفة الصفوة ١ / ١٥٤ ، حلية الأولياء ١ / ١٢٤ ، تاريخ الخميس ٢ / ٢٥٧ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٤٦١ ، الاصابة ٢ / ٣٦٠ وغيرها.
(٣) بل (+ م).