الكلام إنّما هو في زمان قرب العهد بالرسول وأصحابه ، الذين كانوا مستغنين عن ذلك بسبب بركة صحبة النبي عليه الصلاة والسلام ، ونزول الوحي ، وقلة الوقائع والفتن بين المسلمين. وصرّح به السيد الشريف والعلاّمة التفتازاني وغيره من المحققين المشهورين بالعدالة أنّ الاشتغال بالكلام في زماننا من فرائض الكفاية. وقال العلاّمة التفتازاني : إنّما المنع لقاصر النّظر والمتعصّب في الدين.
وأما المذمومة ففي التاتارخانية : وأمّا علم السّحر والنيرنجات والطّلسمات وعلم النجوم ونحوها فهي علوم غير محمودة ؛ وأمّا علم الفلسفة والهندسة فبعيد عن علم الآخرة ، استخرج ذلك الذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة. وفي فتح المبين شرح الاربعين (١) : الحليمي (٢) وغيره صرّحوا بجواز تعلّم الفلسفة وفروعها من الإلهي والطبعي (٣) والرياضي ليردّ على أهلها ويدفع شرّهم عن الشريعة ، فيكون من باب إعداد العدة.
وفي السراجية : تعلّم النجوم قدر ما تعرف به مواقيت الصلاة والقبلة لا بأس به. وفي الخانية (٤) : وما سواه حرام. وفي الخلاصة (٥) : والزيادة حرام. وفي المدارك (٦) في تفسير قوله تعالى : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ، فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) (٧) قالوا علم النجوم كان حقا ، ثم نسخ الاشتغال بمعرفته انتهى.
وفي البيضاوي (٨) : فنظر نظرة في النجوم ، أي فرأى مواقعها واتصالاتها ، أو في علمها ، أو في كتابها ، ولا منع منه ، انتهى.
وفي التفسير الكبير (٩) : في هذا المقام إن (١٠) قيل النظر في علم النجوم غير جائز فكيف أقدم عليه ابراهيم عليهالسلام؟ قلنا : لا نسلّم أنّ النظر في علم النجوم والاستدلال بمعانيها حرام ، وذلك لأنّ من اعتقد أنّ الله تعالى خصّ كلّ واحد من هذه الكواكب بقوة وخاصية ، لأجلها يظهر منه أثر
__________________
(١) فتح المبين في شرح الأربعين (أي الاربعين النووية) لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي (ـ ٩٧٤ هـ) ، القاهرة ، المطبعة الميمنية ، ١٣٠٧ ه. معجم المطبوعات ٨٤ ، اكتفاء القنوع ١٣٢ ، Gals ,II ٥٢٨.
(٢) الحليمي هو الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم الجرجاني ، ولد بجرجان عام ٣٣٨ هـ / ٩٥٠ م وتوفي ببخارى عام ٤٠٣ هـ / ١٠١٢ م. فقيه شافعي ، قاض ومحدث له بعض التصانيف الاعلام ٢ / ٢٣٥ ، الرسالة المستطرفة ٤٤.
(٣) الطبيعي (م).
(٤) الفتاوى الخانية أو التاتارخانية.
(٥) خلاصة الفتاوى لطاهر بن أحمد بن عبد الرشيد البخاري (ـ ٥٤٢ هـ) ، كشف الظنون ١ / ٧١٧.
(٦) مدارك التنزيل وحقائق التأويل ويعرف بتفسير النسفي لأبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي (ـ ٧١٠ هـ). بومباي ، ١٢٧٩ هـ ، معجم المطبوعات ١٨٥٣ ، اكتفاء القنوع ١١٧.
(٧) الصافات / ٨٨ ـ ٨٩.
(٨) أنوار التنزيل وأسرار التأويل أو تفسير البيضاوي لعبد الله بن عمر بن محمد بن علي ناصر الدين البيضاوي (ـ ٦٨٥ هـ) اعتمد فيه على الكشاف ، وعلى التفسير الكبير للرازي. نشره H.P.Fleisher في سبعة أجزاء بمجلدين في Leipzig سنة ١٨٤٤ م كما وضع W.Fell فهرسا وافيا طبع في المدينة نفسها سنة ١٨٧٨ م. معجم المطبوعات ٦١٧ ، اكتفاء القنوع ١١٤.
(٩) التفسير الكبير مفاتيح الغيب المشهور بالتفسير الكبير لأبي عبد الله محمد بن عمر بن الحسين الرازي (ـ ٦٠٦ هـ / ١٢٠٩ م) ، بولاق ١٢٧٩ ـ ١٢٨٩ ، معجم المطبوعات العربية ٩١٧ ، اكتفاء القنوع ١١٥.
(١٠) إنه إن (م).