بالتعبير أو بعدمه. وذلك لأنّ الإجماع على صحّة الرؤيا الصالحة وأنّها حقيقة وحقّة عند أهل الحقّ.
ثم إنّ الأشاعرة يقولون : ليس في الرؤيا إدراكا حقيقيا ولكنه مع ذلك فهو ثابت وله تعبير.
وقال «الطيبي» : إنّ حقيقة الرؤيا إظهار الحقّ سبحانه وتعالى في قلب النائم علوما ومشاهد كما في اليقظان. والله سبحانه قادر على ذلك ، وليس سببه اليقظة. وكذلك ليس النوم بمانع منه ، كما هو مذهب أهل السّنة في باب الحواس الخمس الظاهرة ، فعادة الحقّ سبحانه جارية بأنّه حين استعمال الحواس يظهر الإدراك ، وذلك ليس بمعنى أنّ الحواس موجبة لذلك ، بل إنّ ذلك كائن بخلق الله لذلك الإدراك ، وليس بفضل الحواس وحدها. وإن في خلق الإدراكات في النائم علامة وإشارة إلى أمور أخرى تعرض في حال أخرى (اليقظة) كما هو تعبيرها ، كما أن الغيم دليل على وجود المطر. وبناء على هذا القول تكون الرؤيا إدراكا حقيقة ، وليس بين النوم واليقظة فرق من باب تحقّق الإدراك الباطني. نعم في باب إدراك الحواس الظاهرة ثمّة فرق وذلك لأنّه في حالة النوم تكون الحواس الظاهرة معطّلة. أمّا الحواس الظاهرة فلا دخل لها أصلا في الإدراكات التي ترى في النوم ، مثلما في حالة اليقظة لا دخل لها في الإدراكات الباطنية كإدراك الجوع والعطش والحرارة الباطنية والبرودة وحاجات الإنسان الأخرى كالتّبوّل وغيرها.
ثم إنّ تحقيق الحكماء في باب الرؤيا متوقّف على تحقّق الحواس الباطنة ، وثبوتها مبنيّ على قواعدهم ، أما حسب الأصول الإسلامية فغير كاملة كما هو مبين ومفصّل في كتب الكلام ، وسنوردها هنا بطريق الإجمال :
إنّ في الإنسان قوّة متصرّفة ومن شأنها تركيب الصور والمعاني. وعليه فإذا تصرّف الإنسان في الصور وركبها بحيث ضمّ بعضها إلى بعض مثل إنسان ذي رأسين أو أربعة أيادي وأمثال ذلك ، أو أن يشطر بعض الصور كإنسان بلا رأس أو بدون يد ، وأمثال ذلك. فهذا ما يقال له : المتخيّلة. وأمّا إذا تصرّف في تركيب المعاني كما هو الحال في الصور فتلك هي المتفكرة. وهذه القوة دائما سواء في حال اليقظة والمنام مشغولة وخاصة في حال النوم فإنها أكثر شغلا. وللنفس الناطقة الإنسانية اتصال معنوي روحاني بعالم الملكوت ، كما إنّ صور جميع الكائنات من الأزل حتى الأبد مرسومة وثابتة في الجواهر المجرّدة لذلك العالم. وبما أنّ النفس في حالة النوم تفرغ من الاشتغال بإدراك المحسوسات ومن تدبير شئون الجسم والعالم الجسماني لذلك وللاتصال الذي لها بتلك الجواهر المجرّدة العالية ، فإنّ بعض الصور تظهر في النفس الناطقة وتنطبع فيها كما تنعكس الصّور على المرآة ، ثم تقع من النفس الناطقة إلى الحسّ المشترك ، ثم تقوم القوة المتصرّفة الناشئة من الحسّ المشترك بالتفصيل والتركيب ، وعليه فحينا تعطي لتلك الصور كسوة ولباسا مختلفا ، وبسبب علاقة التّماثل والتّشابه من النظير لنظيره تنتقل مثلما صورة حبة اللؤلؤ تبدو كحبّ الرّمان ، وحينا تكون العلاقة مغايرة وتضاد مثل الضحك يأخذ صورة البكاء وبالعكس. وهذا القسم يحتاج فيه إلى التعبير.
وحينا تخرج الرؤيا بجنسها بدون تغيير أو تلبيس ، وهذا النوع لا يحتاج إلى تعبير. فكما يرى يقع بعينه. وحينا تأخذ القوة المتخيّلة جميع هذه الصّور من الصّور الخيالية المخزونة والمحفوظة فيها في حالة اليقظة ، ولهذا في كثير من الأحوال يرى في النوم ما يفكّر فيه حالة اليقظة.
وحينا بسبب الأمراض يمكن أن ترى