النَّاسَ السِّحْرَ) (١) والمراد (٢) بالسحر ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان مما لا يستقلّ به الإنسان ، وذلك لا يحصل إلاّ لمن يناسبه في الشرارة وخبث النفس ، فإنّ التناسب شرط في التضام (٣) والتعاون ، وبهذا يميّز الساحر عن النبي والولي. وأما ما يتعجب منه كما يفعله أصحاب الحيل بمعونة الآلات والأدوية أو يريه صاحب خفة اليد فغير مذموم ، وتسميته سحرا على التجوّز ، أو لما فيه من الدّقّة لأنّ السّحر في الأصل موضوع لما خفي سببه انتهى. وفي الفتاوى الحمادية : السحر نوع يستفاد من العلم بخواص الجواهر وبأمور حسابية في مطالع النجوم ، فيتخذ من تلك الجواهر هيكل مخصوص على صورة الشخص المسحور ، ويترصّد له وقت مخصوص في المطالع وتقرن به كلمات تتلفظ بها من الكفر والفحش المخالف للشرع ، ويتوصّل في تسميتها إلى الاستعانة بالشياطين ، وتحصل من مجموع ذلك بحكم إجراء الله العادة أحوال غريبة في الشخص المسحور انتهى. وكونه معدودا من الخوارق مختلف فيه كما عرفت. وقال الحكماء : السّحر مزج قوى الجواهر الأرضية بعضها ببعض.
قال الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير : اعلم أنّ السحر على أقسام.
القسم الأول : سحر الكلدانيّين والكسدائين الذين كانوا في قديم الدهر وهم قوم يعبدون الكواكب ويزعمون أنّها هي المدبّرة لهذا العالم ومنها تصدر الخيرات والشرور والسعادة والنحوسة ، وهم الذين بعث الله تعالى عليهم إبراهيم عليهالسلام مبطلا لمقالتهم وردّا عليهم في مذاهبهم وعقائدهم.
والقسم الثاني من السحر سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية ، قالوا اختلف الناس في الإنسان. فأما إذا قلنا بأنّ الإنسان هو هذه البنية فلا شك أنّ هذه البنية مركّبة من الأخلاط الأربعة فلم لا يجوز ان يتفق مزاج من الأمزجة يقتضي القدرة على خلق الجسم والعلم بالأمور الغائبة عنّا. وأما إذا قلنا إنّ الإنسان هو النفس فلم لا يجوز أن يقال إنّ النفوس مختلفة فيتفق في بعض النفوس أن تكون قادرة على هذه الحوادث الغريبة مطلعة على الأسرار الغريبة. ثم الذي يؤكد هذا الاحتمال على وجوه.
الأول أنّ الجذع يتمكن الإنسان من المشي عليه لو كان موضوعا على الأرض ولا يمكنه لو كان كالجسر موضوعا على هاوية تحته ، وما ذاك إلاّ أن يخيل السقوط ، ومتى قوي أوجب السقوط.
الثاني أنّه أجمعت الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر والمصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان أو الدوران ، وما ذاك إلاّ لأنّ النفوس خلقت على الأوهام.
الثالث حكي عن أرسطو أنّ الدجاجة إذا تشببت وبلغت واشتاقت إلى الديك ولم تجده فتصورت الديك وتخيّلته وتشبهت بالديك في الصوت والجوارح نبت على ساقها مثل الشيء النابت على ساق الديك ، وارتفع على رأسها مثل تاج الديك ، وليس هذا إلاّ بسبب كثرة التوهّم والتخيّل ، وهذا يدل على أنّ الأحوال الجسمانية تابعة للأحوال النفسانية.
__________________
(١) البقرة / ١٠٢.
(٢) المقصود (م ، ع).
(٣) النظام (م).