قال المسلمون : إنّما الهدى ما أمر الله تعالى به والضلالة ما نهى الله عنه.
قالوا : فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا؟ وكان مات قبل أن تحوّل القبلة؟
أسعد بن زرارة من بني النجّار والبراء بن معرور من بني سلمة وكانا من النقباء ومات رجال آخرون. فانطلقت عشائرهم إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا رسول الله قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) (١) أي صلاتكم إلى بيت المقدس.
(إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) وفي رؤوف ثلاث قراءات : مهموز مثقّل وهي قراءة نافع وابن عامر وحفص واختيار أبو حاتم قال : لأنّ أكثر أسماء الله على فعول وفعيل. قال الشاعر :
نطيع رسولنا ونطيع ربّا |
|
هو الرّحمن كان بنا رؤوفا |
وروف غير مهموز مثقّل قراءة أبي جعفر.
ورؤف مهموز مخفف وهي قراءة الباقين واختيار أبي عبيد.
قال جرير :
ترى للمسلمين عليك حقّا |
|
كفعل الوالد الرءوف الرّحيم |
فالرأفة أشدّ الرحمة.
(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧))
(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) إنّ أوّل ما نسخ من أمور الشّرع أمر القبلة وذلك إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه كانوا يصلّون بمكّة إلى الكعبة فلمّا هاجر النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة وقدمها لليلتين خليا من شهر ربيع الأوّل أمره تعالى أن يصلّي نحو الصخرة ببيت المقدس ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إيّاه إذا صلّى إلى قبلتهم مع ما يجدون من نعته في التوراة هذا قول عامّة المفسّرين.
__________________
(١) سورة البقرة : ١٤٣.