وقال عبد الرحمن بن زيد : قال الله لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هؤلاء يهود يستقبلون بيتا من بيوت الله ، فلو [أنّا] استقبلناه» [٤] (١) فاستقبله النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، قالوا جميعا : فصلّى النبيّ وأصحابه نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا وكانت الأنصار قد صلّت إلى بيت المقدّس سنتين قبل قدوم النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
وكانت الكعبة أحبّ القبلتين إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، واختلفوا في السبب الّذي كان صلىاللهعليهوسلم يكره من أجله قبلة بيت المقدس ويهوى قبلة الكعبة.
فقال ابن عبّاس : لأنّها كانت قبلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
مجاهد : من أجل أنّ اليهود قالوا : يخالفنا محمّد في ديننا ويتّبع قبلتنا.
مقاتل بن حيّان : لمّا أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يصلّي نحو بيت المقدس قالت اليهود : زعم محمّد أنّه نبي وما يراه أحد إلّا في ديننا ، أليس يصلّي إلى قبلتنا ويستنّ بسنّتنا فإن كانت هذه نبوّة فنحن أقدم وأوفر نصيبا فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فشقّ عليه وزاده شوقا إلى الكعبة.
ابن زيد : لمّا استقبل النبيّ صلىاللهعليهوسلم بيت المقدس بلغه أنّ اليهود تقول : والله ما ندري محمّد وأصحابه أين قبلتهم حتّى هديناهم.
قالوا جميعا فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لجبرئيل : «وددت أنّ الله صرفني من قبلة اليهود إلى غيرها فإنّي أبغضهم وأبغض توافقهم» [٥]. فقال جبرئيل : إنما أنا عبد مثلك ليس إليّ من الأمر شيئا فأسأل ربّك (٢)؟
فعرج جبرئيل وجعل رسول الله يديم النظر إلى السّماء رجاء أن ينزل عليه جبرئيل بما يجيء من أمر القبلة.
(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) تحوّل وتصرف وجهك يا محمّد في السّماء.
(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ) فلنحوّلنّك ولنصرفنّك.
(قِبْلَةً تَرْضاها) تحبّها وترضاها.
(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي نحوه وقصده.
قال الشاعر :
واطعن بالقوم شطر الملوك |
|
حتّى إذا خفق المخدج |
__________________
(١) تفسير الطبري ـ جامع البيان ـ : ١ / ٧٠٢.
(٢) أسباب النزول للواحدي : ٢٦ ، والدر المنثور : ١ / ١٤٢.