القعود عن الغزو (وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) لما فيه من الذل والصغر وحرمان الغنيمة والأجر (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
قال ابن عباس : كنت ردف النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «يا بن عباس ارض عن الله بما قدّر وإن كان خلاف هواك إنه مثبّت في كتاب الله».
قلت : يا رسول الله أين وقد قرأت القرآن ، قال : «مكانين» (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)» [١١٦] (١).
عاصم بن علي المسعودي قال : قال الحسن : لا تكره الملمات الواقعة والبلايا الحادثة فلربّ أمر تكرهه فيه نجاتك ، ولربّ أمر ترجوه فيه عطبك ، وأنشد أبو سعيد الضرير :
ربّ أمر تتقيه جرّ أمرا ترتضيه |
|
خفي المحبوب منه وبدا المكروه فيه (٢) |
وأنشد محمد بن عرفة لعبد الله بن المعتز :
لا تكره المكروه عند نزوله |
|
إن الحوادث لم تزل متباينه |
كم نعمة لا تستقل بشكرها |
|
لله في درج الحوادث كامنه |
عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه قال : بعث المتوكل إلى محمد بن الليث رسولا وقد كان بقي مدة في منزله فلمّا أتاه الرسول [امتثل] فركب بلا روح خوفا فمرّ به رجل وهو يقول :
كم مرّة حفّت بك المكاره |
|
خار لك الله وأنت كاره |
فلمّا دخل على المتوكل ولّاه مصر وأمر له بمائة ألف وجميع ما يحتاج إليه من الآلات والدواب والغلمان.
قال الثعلبي : أنشدني الحسن بن محمد قال : أنشدني أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح قال : أنشدني محمد بن الفرحان :
كم فرحة مطوية لك بين أثناء النوائب |
|
ومضرّة قد أقبلت من حيث تنتظر المصائب (٣) |
قال : وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدنا أبو عبد الله الوضاحي :
ربّما خيّر الفتى وهو للخير كاره |
|
ثم يأتي السرور من حيث تأتي المكاره |
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) الآية ، قال المفسّرون : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم عبد الله بن جحش وهو ابن عمّة النبي صلىاللهعليهوسلم في جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين على رأس ستة عشر شهرا من مقدمه المدينة ، وبعث معه ثمانية رهط من
__________________
(١) تفسير الطبري : ٢ / ٤٧٠.
(٢) تفسير القرطبي : ٣ / ٣٩.
(٣) تاريخ مدينة دمشق : ٤٢ / وجاء فيه : وذكر أنه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام.