ثم قال : (وَلا يَزالُونَ) يعني مشركي قريش وهو فعل لا مفعول له مثل عسى (يُقاتِلُونَكُمْ) يا معشر المؤمنين (حَتَّى يَرُدُّوكُمْ) يصدّوكم ويصرفوكم (عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ) جزم بالنسق ولو كان جوابا لكان [...] (وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ) بطلت (أَعْمالُهُمْ) حسناتهم (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) وأصل الحبط من الحباط [وهو من الحبط وهو فساد يلحق الماشية في بطونها لأكل الحباط (١)] (٢) وهو أن تنتفخ بطنه فيموت ، ثم سمّي الهلال حبطا ، وقرأ الحسن حَبَطَتْ بفتح الباء في جميع القرآن يحبط بكسر الباء (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) فقال أصحاب السريّة : يا رسول الله هل [نؤثم] (٣) على رجبنا وهل نطمع أن يكون سفرنا هذا غزوا؟ فأنزل الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا) فارقوا عشائرهم ومنازلهم وأموالهم (وَجاهَدُوا) المشركين في نصرة الدين (فِي سَبِيلِ اللهِ) في طاعة الله ، فجعلها جهادا (أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠) وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١))
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) نزلت في عمر بن الخطاب رضياللهعنه ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا رسول الله أفتنا في الخمر والميسر فإنها مذهبة للعقل ، مسلبة للمال ، فأنزل الله تعالى هذه الآية وجملة القول أن تحريم الخمر على أقوال المفسرون والحفّاظ مختلفة وبعضها متفقة. هي أن الله أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكة (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) وهو المسكر ، وكان المسلمون يشربونها وهي لهم يومئذ حلال ، ونزلت في مسألة عمر ومعاذ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ ربكم تقدم في تحريم الخمر» (٤)
__________________
(١) وهو ضرب من الكلأ.
(٢) زيادة عن تفسير القرطبي : ٣ / ٥٣.
(٣) كنز العمال : ١٢ / ٣١١ ح ٣٥١٦٧.
(٤) تفسير الطبري : ٢ / ٤٩٥.