قال الثعلبي : ويحتمل أنّ لهذه الأخبار وأمثالها معنيين : أحدهما أنها كانت قبل تحريم الخمر ، والمعنى الآخر وهو أقربهما إلى الصواب أنهم أرادوا بالنبيذ الماء الذي ألقي فيه التمر أو الزبيب حتّى أخذ من قوته وحلاوته قبل أن يشتدّ ويسكر ، يدلّ عليه ما
روي عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يصنع له النبيذ فيشربه يومه والغد وبعد الغد.
وروى الأعمش عن يحيى بن أبي عمرو عن ابن عباس قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم ينبذ له نبيذ الزبيب من الليل ويجعل في سقاء فيشربه يومه ذلك والغد وبعد الغد ، فإذا كان من آخر الآنية سقاه أو شربه فإن أصبح منه شيء أراقه.
وعن عبد الله بن الديلمي عن أبيه فيروز قال : قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت : يا رسول الله إنّا أصحاب كرم وقد أنزل الله تحريم الخمر ، فماذا نصنع؟ قال : تتخذونه زبيبا ، قلت : فنصنع بالزبيب ماذا؟ قال : تنقعونه على غدائكم ، وتشربونه على عشائكم ، وتنقعونه على عشائكم ، وتشربونه على غدائكم ، قلت : أفلا نؤخّره حتّى يشتدّ؟ قال : فلا تجعلوه في السلال واجعلوه في الشنان ، فإنه إن تأخّر صار خمرا.
وعن نافع عن ابن عمر أنه كان ينبذ له في سقاء للزبيب غدوة فيشربه من الليل ، وينبذ له عشوة فيشربه غدوة ، وكان يغسل الأسقية ولا يجعل فيها نرديّا ولا شيئا ، قال نافع : وكنّا نشربه مثل العسل.
وعن بسام قال : سألت أبا جعفر عن النبيذ قال : كان عليّ بن الحسين ينبذ له من الليل فيشربه غدوة ، وينبذ له غدوة فيشربه من الليل.
وعن عبد الله قال : سمعت سفيان ـ وسئل عن النبيذ ـ قال : أنبذ عشاء وأشربه غدوة.
فهذه الأخبار تدلّ على أنه نقيع الزبيب والتمر قبل أن يشتد ، وبالله التوفيق.
وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وأكثر أهل الآثار : إن الخمر كل شراب مسكر سواء كان عصير العنب ما أريد منها ، مطبوخا كان أو نيّا وكل شراب مسكر فهو حرام قليله وكثيره ، وعلى شاربه الحدّ إلّا أن يتناول المطبوخ [بعد ذهاب ثلثه] فإنه لا يحدّ وشهادته لا ترد ، والذي يدلّ على حجّة هذا المذهب من اللغة أن الخمر أصله الستر ، ويقال لكل شيء ستر شيئا من شجر أو حجر أو غيرهما خمر ، وقال : وخمر فلان في خمار الناس ، ومنه خمار المرأة وخمرة السجادة ، والخمر سمّي بذلك لأنه يستر العقل ، يدلّ عليه ما روى الشعبي عن ابن عمر قال : خطب عمر فقال : إن الخمر نزل تحريمها ، وهي من خمسة أشياء : العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل ، والخمر ما خامر العقل. وقال أنس بن مالك : سمّيت خمرا لأنهم كانوا يدعونها في الدّنان حتّى تختمر وتتغيّر.