بقراءة ابن مسعود : إلّا أن يخافوا ، واختاره أبو عبيد لقوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) قال : فجعل الخوف لغيرهما ولم يقل فإن يخافا ألّا يقيما حدود الله وهو أن تخاف المرأة الفتنة على نفسها فتعصي الله في أمر زوجها ، ويخاف الزوج إذا لم تطعه امرأته أن يعتدي عليها ، فنهى الله تعالى الرجل أن يأخذ من امرأة شيئا بغير رضاها إلّا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها فنقول : والله لا أبرّ لك قسما ولا أطيع لك أمرا ولا أطأ لك مضجعا ، ونحو ذلك ، فإذا فعلت ذلك به حلّ له العقوبة منها إذا دعته إلى ذلك ، ويكره أن يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها ، ولكنه في الحكم جائز.
يبيّن ذلك ما روى الحكم بن عيينة أنّ امرأة نشزت على زوجها في إمارة عمر بن الخطاب ، فوعظها عمر رضياللهعنه وأمرها بطاعة زوجها فأبت وقالت : لئن رددتني إليه والله لأقتلنّ نفسي ، فأمر بها فحبست في إصطبل الدواب في بيت الزمل ثلاث ليال ، ثم دعاها فقال : كيف رأيت مكانك؟ فقالت : ما بتّ ليالي أقرّ لعيني منها ، وما وجدت الراحة مذ كنت عنده إلّا هذه الليالي ، فقال : هذا وأبيكم النشوز ، ثم قال لزوجها : اخلعها ولو من قرطيها ، اخلعها بما دون عقاص رأسها فلا خير لك فيها ، فذلك قوله عزوجل (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) المرأة نفسها منه.
قال الفراء : أراد به الزوج دون المرأة فذكرهما جميعا لأقرانهما كقوله (نَسِيا حُوتَهُما) وإنما الناسي فتى موسى دون موسى عليهالسلام وقوله (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) وإنما يخرج من المالح دون العذب ، وقال الشاعر :
فإن تزجراني يا ابن عفّان أنزجر |
|
وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا (١) |
وقال قوم معناه : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) جميعا ، لا جناح على المرأة في النشوز إذا خشيت الهلاك والمعصية ، ولا فيما افتدت به وأعطيت من المال ، لأنها ممنوعة من إتلاف المال بغير حق ، ولا على الرجل فيما أخذ منها من المال إذا أعطته طائعة بمرادها ، وللفقهاء في الخلع قولان :
أحدهما : إنه فسخ بلا طلاق ، وهو قول ابن عباس ، وقول الشافعي في القديم بالعراق ، ثم رجع عنه بمصر.
والقول الثاني : إنّ الخلع تطليقة بائنة إلّا أن ينوي أكثر منها ، وهو قول عثمان بن عفان رضياللهعنه ، والقول الجديد من قول الشافعي.
(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) هذه أوامر الله ونواهيه (فَلا تَعْتَدُوها) فلا تجاوزوها (وَمَنْ يَتَعَدَّ
__________________
(١) الصحاح للجوهري : ٣ / ٨٦٨ ، والبيت لسويد بن كراع.