وكان طالوت ـ اسمه شادل بن قيس بن أبيال بن ضرار بن يحرب بن أفيح بن أيس بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهالسلام ـ رجلا دبّاغا يعمل الأدم ، قاله وهب (١).
وقال عكرمة والسدي : كان سقاء يسقي على حمار له من النيل فضلّ حماره فخرج في طلبه ، وقيل : كان خربند شاه.
وقال وهب : بل ضلّت حمر لأبي طالوت فأرسله وغلاما له يطلبانها ؛ فمرّا ببيت إشمويل ، فقال الغلام لطالوت : لو دخلنا على هذا النبي فسألناه عن أمر الحمر ليرشدنا ويدعو لنا فيها بخير ، فقال طالوت : نعم ، فدخلا عليه ، فبينا هما عنده يذكران له شأن الحمر إذ نشّ الدهن الذي في القرن ، فقام إشمويل وقاس طالوت بالعصا فكانت على طوله فقال لطالوت : قرّب رأسك فقرّبه ودهنه بدهن القدس ثم قال له : أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله تعالى أن أملّكه عليهم ، فقال طالوت : أنا؟ قال : نعم ، قال : أو ما علمت أنّ سبطي أدنى أسباط بني إسرائيل؟ قال : بلى ، قال : أفما علمت أنّ بيتي أدنى بيوت بني إسرائيل؟
قال : بلى ، قال : فبأيّ آية؟ قال : آية أنّك ترجع وقد وجد أبوك حمره فكان كذلك ، ثم قال لبني إسرائيل : (إِنَّ اللهَ) تعالى (قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً) ، قال مجاهد : أميرا على الجيش.
(قالُوا أَنَّى) من أين (يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) وإنما قالوا ذلك لأنّه كان في بني إسرائيل سبطان : سبط نبوّة ، وسبط مملكة ، وكان سبط النبوة سبط لاوي بن يعقوب ومنه موسى وهارون ، وسبط المملكة سبط يهود بن يعقوب ومنه كان داود وسليمان ، ولم يكن طالوت من سبط النبوة ولا من سبط الملك ، إنّما كان من سبط ابن يامين بن يعقوب ، وكانوا عملوا ذنبا عظيما ، كانوا ينكحون النساء على ظهر الطريق نهارا ، فغضب الله عليهم ونزع الملك والنبوة منهم ، فلمّا قال نبيّهم : (إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً) ، أنكروا لأنّه كان من ذلك السبط فقالوا (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) ومع ذلك هو فقير (وَلَمْ يُؤْتَ) يعط (سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ) اختاره (عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً) فضيلة وسعة (فِي الْعِلْمِ) وذلك أنه كان أعلم بني إسرائيل في وقته ، وذكر أنه أتاه الوحي حين أوتي الملك قال الكلبي (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ) بالحرب (وَالْجِسْمِ) يعني بالطول ، وكان يفوق الناس برأسه ومنكبيه وإنّما سمّي طالوت لطوله وكذلك كان كالعصا التي قيس بها ، ودليل هذا التأويل قوله تعالى (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) يعني طول القامة ، وقال ابن كيسان بالجمال ، وكان طالوت أجمل رجل في بني إسرائيل وأعلمهم.
(وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) يعني لا ينكروا ملك طالوت مع كونه من غير أهل بيت
__________________
(١) تفسير الطبري : ٢ / ٨١٥.