المملكة ، فإنّ الملك ليس بالوراثة إنما هو بيد الله يؤتيه من يشاء (١) (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) فقالوا له : فما آية ذلك (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) الآية.
وكانت قصة التابوت وصفتها على ما ذكره أهل التفسير وأصحاب الأخبار : إن الله تعالى أنزل تابوتا على آدم فيه صور الأنبياء من أولاده ، وفيه بيوت بعدد الأنبياء كلّهم ، وآخر البيوت بيت محمّد صلىاللهعليهوسلم وصورته موقّرة على صور جميع الأنبياء من ياقوتة حمراء قائم يصلي ، وعن يمينه الكهل المطيع مكتوب على جبينه هذا أول من يتّبعه من أمته أبو بكر ، وعن يساره الفاروق مكتوب على جبينه قرن من حديد ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ومن ورائه ذو النورين آخذ بحجزته ، مكتوب على جبهته بارّ من البررة ، ومن بين يديه علي بن أبي طالب شاهر سيفه على عاتقه مكتوب على جبينه : هذا أخوه وابن عمّه المؤيد بالنصر من عند الله ، وحوله عمومته والخلفاء والنقباء والكوكبة الخضراء ، وهم أنصار الله وأنصار رسوله ، نور حوافر دوابّهم يوم القيامة مثل نور الشمس في دار الدنيا.
وكان التابوت نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين وكان من عود الشمشار الذي يتّخذ منه الأمشاط مموّه بالذهب ، وكان عند آدم عليهالسلام إلى أن مات ثم عند شيث ثم توارثها أولاد آدم إلى أن بلغ إبراهيم ، فلمّا مات كان عند إسماعيل لأنّه أكبر ولده ، فلمّا مات إسماعيل كان عند ابنه قيذار فنازعه ولد إسحاق ، وقالوا : إن النبوة قد صرفت عنكم فليس لكم إلّا هذا النور الواحد ، فأعطنا التابوت ، فكان قيذار يمتنع عليهم ويقول : إنّه وصية أبي ولا أعطيه أحدا من العالمين.
قال : فذهب ذات يوم يفتح ذلك التابوت فعسر عليه فتحه فناداه مناد من السماء : مهلا يا قيذار فليس لك إلى فتح هذا التابوت سبيل ، لأنّه وصية نبي فلا يفتحه إلّا نبي فادفعه إلى ابن عمك يعقوب إسرائيل الله.
فحمل قيذار التابوت على عنقه وخرج يريد أرض كنعان ، وكان بها يعقوب ، فلمّا قرب منه صرّ التابوت صرّة سمعها يعقوب فقال لبنيه : أقسم بالله لقد جاءكم قيذار بالتابوت فقوموا نحوه ، فقام يعقوب وأولاده جميعا إليه ، فلمّا نظر يعقوب إلى قيذار استعبر باكيا وقال : يا قيذار ما لي أرى لونك متغيرا وقوتك ضعيفة ، أرهقك عدوّ أم أتيت معصية قد رابتك؟ فقال : ما رهقني عدوّ ولا أتيت معصية ولكن نقل من ظهري نور محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ فلذلك تغيّر لوني وضعف ركني.
قال : أفمن بنات إسحاق؟ قال : لا في العربية الجرهمية وهي الغاضرة ، قال يعقوب : بخ بخ بشّرها بمحمد ، لم يكن الله عزوجل ليخزنه إلّا في العربيات الطاهرات ، يا قيذار وأنا مبشّرك ببشارة قال : وما هي؟ قال : اعلم أنّ الغاضرة قد ولدت لك البارحة غلاما ، قال قيذار :
__________________
(١) تفسير الطبري : ٢ / ٨٢٠.