فسأل طالوت نبيّهم اشمويل ان يدعوا الله ، فدعا الله عزوجل في ذلك ، فأتى بقرن فيه دهن ، وتنور من حديد ، فقيل : إنّ صاحبكم الذي يقتل جالوت هو الذي يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي الدهن حتّى يدهن رأسه منه ولا يسيل على وجهه يكون على رأسه كهيئة إلّا كليل ، ويدخل في هذا التنور فيملؤه لا يتقلقل فيه ، فدعا طالوت بني إسرائيل فجرّبهم فلم يوافقه منهم أحد.
فأوصى الله تعالى إلى نبيهم إنّ في ولد أيشا من يقتل الله به جالوت ، فدعا طالوت أيشا وقال : أعرض عليّ نبيك ، فأخرج له اثني عشر رجلا أمثال السواري ، فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئا فيقول لرجل منهم : بادع عليهم جسم ارجع فيردد عليه فأوحى الله تعالى إليه إنا لا نأخذ الرجال على صورهم ولكنّا نأخذ على صلاح قلوبهم ، فقال لأيشا : هل بقي لك ولد غيرهم؟ قال : لا.
فقال النبي عليهالسلام : يا ربّ إنّه زعم أنّ لا ولد له غيرهم ، فقال : كذب.
فقال النبيّ : إنّ ربّي كذّبك ، فقال : صدق الله يا نبي الله إنّ لي ابنا صغيرا يقال له : داود ، استحييت أن يراه الناس لقصر قامته وحقارته ، فخلّفته في الغنم يرعاها وهو في شعب كذا ، وكان داود عليهالسلام رجلا قصيرا مسقاطا مصفارا أزرق أمعد.
فدعاه طالوت ، ويقال : بل خرج طالوت إليه فوجد الوادي قد سال بينه وبين الزرب التي يريح إليها ، فوجده يحمل شاتين شاتين يجيزهما السيل ولا يخوض بهما الماء ، فلما رآه النبيّ عليهالسلام قال : هذا هو لا شك فيه هذا يرحم البهائم فهو بالناس أرحم ، فدعاه ووضع القرن على رأسه ففاض (١).
فقال له طالوت : هل لك أن تقتل جالوت وأزوجك ابنتي وأجري خاتمك في ملكي؟
قال : نعم.
قال : وهل أنست من نفسك شيئا تقوى به على قتله؟
قال : نعم ، أنا أرعى فيجيء الأسد والنمر والذئب فيأخذ شاة وأقوم له وأفتح لحييه عنها وأخرقهما إلى قفاه.
فردّه إلى عسكره ، فمرّ داود بحجر فناده : يا داود احملني فإنّي حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا ، فحمله في مخلاته.
ثم مرّ بحجر آخر فناده : يا داود احملني فإنّي حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا ، فحمله
__________________
(١) جامع البيان : ٢ / ٨٥١ ، وتاريخ الطبري : ١ / ٣٣٧.