فلما انتهى طالوت إلى الغار ونظر إلى بناء العنكبوت ، قال : لو كان دخل هاهنا لخرق بناء العنكبوت فتركه ومضى ، وانطلق داود وأتى الجبل مع المتعبّدين فتعبّد فيه.
وطعن العلماء والعبّاد في طالوت في شأن داود ، فجعل طالوت لا ينهاه أحد عن قتل داود إلّا قتله وأغرى بقتل العلماء ، فلم يكن يقدر على عالم في بني إسرائيل فيطيق قتله إلّا قتله ولم يكن يحارب جيشا إلّا هزم ، حتى أتى بامرأة تعلم اسم الله الأعظم فأمر جبّارا بقتلها فرحمها الجبّار فقال : لعلّنا نحتاج إلى عالم فتركها ، فوقع في قلب طالوت التوبة وندم على ما فعل وأقبل على البكاء حتّى رحمه.
فكان كلّ ليلة يخرج إلى القبور فيبكي وينادي : أنشد الله عبدا يعلم أن لي توبة إلّا أخبرني بها.
فلما أكثر عليهم ناداه مناد من القبور : يا طالوت أما ترضى أن قتلتنا حتّى تؤذينا أمواتا ، فازداد بكاء وحزنا ، فرحمه الجبّار فكلّمه فقال : مالك أيّها الملك؟
فقال : هل تعلم لي في الأرض عالما أسأله هل لي من توبة؟
فقال الجبّار : هل تدري ما مثلك؟ إنّما مثلك مثل ملك نزل قرية عشاء فصاح الديك فتطيّر منه ، فقال : لا تتركوا في القرية ديكا إلّا ذبحتموه ، فلما أراد أن ينام قال لأصحابه ، إذا صاح الديك فأيقضونا حتى ندلج.
فقالوا : هل تركت ديكا نسمع صوته.
ولكن هل تركت عالما في الأرض ، فازداد حزنا وبكاء.
فلما رأى الجبّار ذلك قال : أرأيتك إن دللتك على عالم لعلّك أن تقتله.
قال : لا.
فتوثّق عليه الجبّار فأخبره أن المرأة العالمة عنده قال : انطلق بي إليها أسألها هل لي من توبة؟
وكان إنّما يعلم ذلك الاسم أهل بيت إذا فنيت رجالهم علمت نساءهم.
فلما بلغ طالوت الباب قال الجبّار : أيّها الملك إنّها إن رأتك فزعت ، فخلّفه خلفه ثم دخل عليها فقال لها : ألست أعظم الناس عليك منّة أن نجّيتك من القتل وآويتك عندي؟
قالت : بلى.
قال : فإنّ لي إليك حاجة : هذا طالوت يسأل هل له من توبة ، فغشي عليها من الخوف.
فقال لها : إنّه لا يريد قتلك ولكن يسألك هل له من توبة؟