وقال محمد بن علي : معنى الآية : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ). من الأعمال الظاهرة (أَوْ تُخْفُوهُ) من الأحوال الباطنة ، (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ). العابد على أفعاله والعارف على أحواله.
وقال بعضهم : إنّ الله يقول يوم القيامة : ([يَوْمَ] تُبْلَى السَّرائِرُ) وتخرج الضمائر ، وأن كتّابي لم يكتبوا من أعمالكم إلّا ما ظهر منها ، وأنا مطّلع على سرائركم ما لم يعلموه ولم يكتبوه فأنا أخبركم بذلك وأحاسبكم عليه لتعلموا أنّه لا يعزب عنّي مثقال ذرة من أعمالكم ثم أغفر لمن شئت وأعذّب من شئت.
فأمّا المؤمنون فيخبرهم بذلك ويغفر لهم ولا يؤاخذهم بذلك إظهارا لفضله ، وأمّا الكافرون فيخبرهم بها ويعاقبهم عليها إظهارا لعدله.
فمعنى الآية : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) فتعملوا به (أَوْ تُخْفُوهُ) ممّا أضمرتم وأسررتم وأردتم ، (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) ويخبركم ويعرّفكم إياه ، فيغفر للمؤمنين ويعذّب الكافرين. وهذا معنى قول الضحاك والربيع ورواية العوفي والوالبي عن ابن عباس ، يدلّ عليه قوله : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ).
ولم يقل : يؤاخذكم ، والمحاسبة غير المعاقبة ، والحساب ثابت والعقاب ساقط ، وممّا يؤيّد هذا حديث النجوى وهو ما روى قتادة عن صفوان بن محرز قال : بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمرو إذ عرض له رجل فقال : يا ابن عمر ما سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول في النجوى ، فقال : سمعت نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «يدنو المؤمن من ربّه حتّى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول : هل أذنبت ببعض كذا ، فيقول : ربّ أعرف ، فيوقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا ، فيقول الله : أنا الذي سترتها عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم لم يطلع على ذلك ملكا مقرّبا ولا نبيّا مرسلا.
وأمّا الكفّار والمنافقون فينادون على رؤوس الأشهاد (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)» (١).
الأعمش عن معرور بن سويد عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يؤتى الرجل يوم القيامة فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، فيعرض عليه ، فيقال : عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا وهو يقرّ ولا ينكر ويخبأ عنه كبار ذنوبه وهو منها مشفق فيقول : أعطوه مكان كلّ سيّئة عملها حسنة ، فيقول : إنّ لي ذنوبا ما أراها هاهنا» [٢١٣].
قال : قال أبو ذر : فلقد رأيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم ضحك حتّى بدت نواجذه (٢).
وقال الحسين بن مسلم : يحاسب الله عزوجل المؤمنين يوم القيامة بالمنّة والفضل ، والكافرين بالحجّة والعدل.
__________________
(١) السنن الكبرى : ٦ / ٣٦٤ بتفاوت.
(٢) مسند أحمد : ٥ / ١٥٧ ، تفسير القرطبي : ١٣ / ٧٨.