(وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) جعل من وهي اسم خبرا للبرّ وهو فعل ولا يقال : البرّ زيد ، واختلفوا في وجه الآية :
فقال بعضهم : لما وقع من في موضع المصدر جعله مضمرا للبرّ. كأنّه قال : ولكن البرّ الأيمان بالله ، والعرب تجعل الاسم خبرا للفعل كقولهم : إنّما البر الصادق الذي يصل من رحمه ويخفي صدقته : يريدون صلة الرّحم ، وأخفاء الصّدقة ، وعلى هذا القول الفراء والمفضل بن سلمة وأنشد الفراء :
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللّحى |
|
ولكنّما الفتيان كل فتى ندي |
فجعل نبات اللحية خبرا للفتى.
وقيل : معناه ولكنّ البرّ برّ من آمن بالله واستغنى عن النّاس ، كقولهم : الجود حاتم ، والشجاعة عنترة ، والشعر زهير : أي جود حاتم وشجاعة عنترة وشعر زهير ، وتقول : العرب : بنو فلان يطأهم الطريق ، أي أهل الطريق. قال الله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (١) ، وقال تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) (٢) قال النابغة الجعدي :
وكيف نواصل من أصبحت جلالته كأبي مرحب (٣)
أي كجلالة أبي مرحب ، وعلى هذا القول قطرب والفراء والزّجاج أيضا.
وقال أبو عبيدة : معناه ولكنّ البار من آمن بالله كقوله (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) (٤) أي المتقي.
وقيل : معنى ذو البرّ من آمن بالله حكاه الزّجاج. كقوله (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) (٥) : أي ذو درجات.
قال المبرّد : لو كنت ممن قرأ القرآن لقرئت : لكنّ البرّ من آمن بالله بفتح الباء تقول العرب : رجل بر وبار والجمع بررة وابرار ، والبرّ : العطف والإحسان ، والبرّ أيضا : الصدق ، والبرّ هنا الإيمان والتقوى ، وهو المراد في هذه الآية بذلك عليه قوله (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
(وَالْمَلائِكَةِ) كلهم.
(وَالْكِتابِ) [يعني الكتب] (٦). (وَالنَّبِيِّينَ) أجمع.
(وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) واختلفوا في هذه الحكاية :
__________________
(١) سورة يوسف : ٨٢.
(٢) سورة لقمان : ٢٨.
(٣) مجمع البيان : ١ / ٤٧٤.
(٤) سورة طه : ١٣٢.
(٥) سورة آل عمران : ١٦٣.
(٦) سقط في المخطوط والظاهر ما أثبتناه.