تعالى ذلك بقوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ونزلت العزيمة في إيجاب الصّوم وعلى هذا القول معاذ بن جبل وأنس بن مالك ، وسلمة بن الأكوع وابن عمر وعلقمة وعمرو بن مرّة والشعبي والزهري وإبراهيم وعبيدة والضحاك ، وأحدى الروايات عن ابن عبّاس.
وقال آخرون : بل هو خاص للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة والّذين يطيقان الصّوم ولمن يشقّ عليهما رخص لهما : إن شاء أن يفطر مع القدرة ويطعما لكل يوم مسكينا ، ثمّ نسخ ذلك بقوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وثبت الرخصة للذين لا يطيقون ، وهذا قول قتادة والرّبيع بن أنس ، ورواية سعيد بن جبير عن ابن عبّاس.
وقال الحسن : هذا في المريض كان إذا وقع عليه اسم المرض وإن كان يستطيع الصّيام الخيار إن شاء صام ، وإن شاء أفطر وأطعم حتّى نسخ ذلك. فعلى هذه الأقاويل الآية منسوخة وهو [قول] أكثر الفقهاء المفسرين.
وقال قوم : لم تنسخ هذه الآية ولا شيء منها ، وإنّما تأويل ذلك أو على الّذين يطيقونه في حال شبابهم وفي حال صحتهم وقوتهم ، ثمّ عجزوا عن الصّوم فدية طعام مساكين ؛ لأنّ للقوم كان رخص لهم في الإفطار وهم على الصّوم [قادرون إذا اقتدروا ، وآخرون أضمروا] في الآية وقالوا : هذه عبارة عن أول حالهم وجعلوا الآية محكمة ، وهذا قول سعيد بن المسيب والسّدي ، وأحدى الروايتين عن ابن عبّاس ، فحمله ما ذكرنا من هذه الأقاويل على قراءة من قرأ (يُطِيقُونَهُ) : من الإطاقة وهي القراءة الصحيحة التي عليها عامة أهل القرآن ومصاحف البلدان ، وأمّا الذين قرءوا يطوقونه : فتأولوا بهم الشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الذي لا يرجى برؤه فهم يكلفون الصّوم ولا يطيقونه فلهم أن يفطروا ويطعموا مكان كل يوم أفطروا مسكينا.
قالوا : الآية محكمة غير منسوخة ، والفدية : الجزاء والبدل من قولك : فديت هذا بهذا أيّ حرمته وأعطيته بدلا منه ، يقال : فديت فدية كما يقال : مشيت مشية. (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) : فزاد على مسكين واحد وأطعم مسكينين فصاعدا. قاله مجاهد وعطاء وطاوس والسّدي.
وقال بعضهم : فمن زاد على القدر الواجب من الإطعام. يزاد الطّعام. رواه ابن جريح وخطيف عن مجاهد ، وقال ابن شهاب : يريد فمن صام مع الفدية وجمع بين الصّيام والطّعام فهو خير له.
(فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا) (إن) صلة تعني والصوم (خَيْرٌ لَكُمْ) من الإفطار والفدية (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).