والتشديد أفصح وأشهر ، وتصديقه قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) (١) ، وقال (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) (٢).
وقرأ ابن مسعود : تبوئ للمؤمنين.
(مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) ، أي مواطن وأماكن ، قال الله تعالى (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) (٣) ، وقال : (أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) (٤). وقرأ أشهب : (مقاعد للقتال). (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) : تجبنا وتضعفا وتتخلّفا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهم بنو أسامة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس ، وكانا جناحي العسكر ، وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج إلى أحد في ألف رجل ، وقيل : تسعمائة وتسعين رجلا ، وقال الزجاج : كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أحد وقت القتال ثلاثة آلاف ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أحد وقد وعد أصحابه الفتح إن صبروا ، فلما بلغوا الشوط انخزل عبد الله بن أبيّ الخزرجي ثلث الناس فرجع في ثلاثمائة ، وقال : علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟ فتبعهم أبو جابر السلمي فقال : أنشدكم الله في نبيكم وفي أنفسكم. فقال عبد الله بن أبي : (لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ). وهمت بنو سلمة وبنو حارثة بالانصراف مع عبد الله بن أبي فعصمهم الله فلم ينصرفوا ، ومضوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فذكرهم الله عظيم نعمته بعصمته فقال : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما) ناصرهما وحافظهما.
وقرأ ابن مسعود : (والله وليهم) لأنّ الطائفتين جمع ، كقوله (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) (٥). (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) وقال جابر بن عبد الله : ما يسرنا أنالهم نهمّ بالذي هممنا ، وقد أخبرنا الله أنه ولينا.
(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) قال الشعبي : كانت بدر بئر رجل يقال له بدر فسميت باسم صاحبها. قال الواقدي : ذكرت قول [الشعبي] (٦) لعبد الله بن جعفر ومحمد بن صالح فأنكراه وقالا : فلأي شيء سميت الصفراء؟ ولأي شيء سميت الجار؟ هذا ليس بشيء ، إنما هو اسم الموضع. قال : وذكرت ذلك ليحيى بن النعمان الغفاري فقال : سمعت شيوخنا من بني غفار يقولون هو ماؤنا ومنزلنا ، وما ملكه قط أحد غيرنا ، وما هو وهؤلاء من بلاد جهينة ، إنما هو من بلاد غفارة (٧).
__________________
(١) يونس : ٩٣.
(٢) العنكبوت : ٥٨.
(٣) القمر : ٥٥.
(٤) الجن : ٩.
(٥) الحجّ : ١٩.
(٦) في المخطوط : الشافعي.
(٧) تفسير الطبري : ٤ / ٩٩.