عبادك المؤمنين الذين وفدوا إليّ (مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) شعثا غبرا ، تركوا الأهلين والأولاد والأحباب ، وخرجوا شوقا إليّ زائرين مسلمين طائعين ، حتى قضوا مناسكهم كما أمرتهم ، فأسألك أن تؤمنهم من الفزع الأكبر وتشفّعني فيهم وتجمعهم حولي ، فينادي الملك : إن منهم من ارتكب الذنوب بعدك وأصرّ على الذنوب الكبائر حتى وجبت له النار ، فتقول الكعبة : إنما أسألك الشفاعة لأهل الذنوب العظام. فيقول الله : قد شفّعتك فيهم وأعطيتك سؤلك. فينادي منادي من جو السماء : ألا من زار الكعبة فليعتزل من بين الناس. فيعتزلون ، فيجمعهم الله حول البيت الحرام بيض الوجوه آمنين من النار يطوفون ويلبون ، ثم ينادى ملك من جو السماء : ألا يا كعبة الله سيري. فتقول الكعبة : لبيك لبيك والخير بيديك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، ثم [يمدّونها] إلى المحشر (١).
(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).
قال عكرمة : لما نزلت (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (٢) قالت اليهود : فنحن مسلمون فأمروا أن يحجوا إن كانوا مسلمين ، واللام في قوله لله لام الإيجاب والإلزام ، أي قد فرض وأوجب على الناس حجّ البيت. قرأ أبو جعفر والأعمش وحمزة والكسائي : (حِجُ) ، بكسر الحاء في هذا الحرف خاصة.
وقرأ ابن أبي إسحاق جميع ما في القرآن بالكسر ، وهي لغة أهل نجد.
وقرأ الباقون : بالفتح كل القرآن ، وهي لغة أهل الحجاز.
واختيار أبي عبيد ، وأبي حاتم ، فهما لغتان فصيحتان بمعنى واحد.
وقال الحسن الجعفي الفتح [المصدر] والكسر اسم الفعل ، ثم قال : (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) اعلم أن شرائط وجوب الحج تسعة أشياء هي : البلوغ والعقل والإسلام والحرية ؛ لقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى ينتبه» (٣) [١١٩].
ولقوله صلىاللهعليهوسلم : «أيّما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه حجة أخرى ، وأيّما أعرابي حج ثم هاجر فعليه حجة أخرى» [١٢٠] (٤).
وأراد بالهجرة هاهنا : الإسلام وتخلية الطريق ، وهي أن يكون الطريق آمنا مسلوكا ، لا مانع فيه من عدو ونحوه ، فإن كان غير مسلوك لم يجب الحج.
__________________
(١) إعانة الطالبين : ٢ / ٣١٣ ـ ٣١٤.
(٢) سورة آل عمران : ٨٥.
(٣) مسند أحمد : ٦ / ١٠٠ بتفاوت.
(٤) المعجم الأوسط : ٣ / ١٤٠ ، نصب الراية : ٣ / ٧٥.