قال ابن عمر : قام رجل فقال : يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال : «الزاد والراحلة» قال : فما الحاج؟ قال : «[الشعث التفل]» (١) قال : فما أفضل الحج؟ قال : «العج (٢) والثج» (٣) [١٢٣].
وقال مالك : إذا قدر على المشي ووجد الزاد والراحلة لزمه الحج بلا خلاف ، وإن لم يجد الزاد والراحلة وقدر على المشي نظر ، فإن كان مالكا للزاد فعليه فرض الحج لكل حال ، وإن لم يكن مالكا للزاد ولكنه يقدر على كسب حاجته منه في الطريق اختلف هذا باختلاف حال الرجل ، فإن كان من أهل المروات وممّن لا يكسب بنفسه لم يجب عليه ، وإن كان ممن يكسب كفايته بتجارة أو صناعة لزمه فرض الحج ، وهكذا إذا كان عادته مسألة الناس لزمه فرض الحج ، فأوجب مالك على المطبق للمشي الحج إذا لم يكن له زاد وراحلة ، وهذا قول عبد الله بن الزبير والشعبي وعكرمة.
وقال الضحاك : إن كان شابا صحيحا ليس له مال ، فعليه أن يؤاجر نفسه بأكله أو عقبه حتى يقضي حجته ، فقال : له قائل ما كلف الله الناس أن يمشوا إلى البيت. فقال : لو أن لبعضهم ميراثا بمكة أكان تاركه بل كان ينطلق إليه ولو حبوا ، كذلك يجب عليه الحج ، واحتج هؤلاء بقوله تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً) (٤) أي مشاة.
قالوا : ولأن الحج من عبادات الأبدان من فرائض الأعيان ، فوجب أن لا يكون من فرض وجوبها الزاد والراحلة كالصلاة والصيام ، فإذا [تقرر] أن وجود الزاد والراحلة شرط في وجوب الحج على قول أكثر أهل العلم ، فوجب أن يبيّن كيفية اعتبار الراحلة والنفقة ، وذلك يختلف باختلاف أحوال الناس.
وأما الراحلة : فهي ما لا يلحقه مشقة شديدة في الركوب عليها ، وأما النفقة : فإن كان ذا أهل وعيال يجب عليه نفقتهم ، فلا يلزمه الحج حتى يكون لهم نفقتهم مدة غيبته لذهابه ورجوعه ، لأن هذا الإنفاق فرض على الفور والحج فرض على التراخي ، وكان تقديم إنفاق العيال أولى وأهم.
وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يقوت» (٥) [١٢٤] فإذا لم يكن له أهل وعيال فلا بد من نفقته لذهابه ، وهل يعتبر فيه الرجوع أم لا؟ فيه قولان للفقهاء :
__________________
(١) التفل : الذي قد ترك استعمال الطيب.
(٢) العج : العجيج بالتلبية ، والثج : نحر البدن.
(٣) المصنف ـ الكوفي ـ : ٤ / ٥٣٥.
(٤) سورة الحج : ٢٧.
(٥) مسند أحمد : ٢ / ١٦٠.