وقال أبو حنيفة : لا يجب عليه الحج ببذل الطاعة بحال.
وقال مالك : إذا كان مغصوبا سقط عنه فرض الحج أصلا ، سواء كان قادرا على من يحج بالمال أو بغير المال ، أو كان عاجزا فلا يلزمه فرض الحج ، ولو وجب عليه الحج ثم عضب وزمن سقط عنه فرض الحج ، ولا يجوز أن يحج عنه في حال حياته بحال بل إن أوصى أن يحج عنه حج بعد موته عنه من الثلث وكان تطوعا ، واحتج بقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (١) فأخبر أنه ليس له إلّا ما سعى فمن قال له ما سعى غيره ، فقد خالف ظاهر الآية ويقول عزوجل : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٢) وهذا غير مستطيع ، لأن الحج هو القصد إلى البيت بنفسه ومن طريق الاعتبار هو أنه غير متمكن من الحج بنفسه ، فوجب أن لا يلزمه الحج عن نفسه ، كما لو كان مغصوبا لا مال له ، ولأن كل عبادة لا يدخلها النيابة مع القدرة عليها ، فوجب أن لا يدخلها النيابة مع العجز عنها كالصلاة وعكسه الزكاة ، ودليل الشافعي وأصحابه ما روى الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس أن امرأة من خثعم سألت النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة ، فهل يجزي أن أحج عنه؟ فقال : «نعم» ، فقالت : فهل ينفعه ذلك؟ فقال عليهالسلام : «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أما كان يجزي؟» قالت : نعم ، قال : «فدين له! أحق» (٣) [١٢٥].
فأوجب النبي صلىاللهعليهوسلم عليه الحج بطاعة ابنته إياه وبذلها نفسها له بأن تحج عنه ، فإذا وجب ذلك بطاعة البنت له كان بأن يجب عليه بقدرته على المال الذي يستأجر به أولى ، فأما إن بذل له المال دون الطاعة ، والصحيح أن لا يلزمه قبوله والحج به عن بنفسه ولا يصير ببذل المال له مستطيعا ، وأما من به مرض يرجى زواله كالبرسام والحمى الشديدة وغيرهما فلا يجوز له أن يحج عنه ، لأنه لم ييأس عن الحج بنفسه فلم يحج له ، كالصحيح وعكسه المغصوب.
وقال أبو حنيفة : يجوز له أن يحج عن نفسه ولو حج عنه وبرأ سقط عنه فرض الحج والله أعلم.
(وَمَنْ كَفَرَ).
قال الحسن وابن عباس وعطاء والضحاك : جحد فرض الحج.
مجاهد : هو ما أن حج لم يره برا وإن قعد لم يره مأثما.
وروى سفيان عن منصور عنه (وَمَنْ كَفَرَ) بالله واليوم الآخر ، يدل عليه ما روى ابن عمر
__________________
(١) سورة النجم : ٣٩.
(٢) سورة آل عمران : ٩٧.
(٣) صحيح ابن خزيمة : ٤ / ٣٤٦.