قال الشاعر :
يظل من خوفه الملاح معتصما |
|
بالخيزرانة بعد الأين والنجد (١) |
وقال آخر :
إذا أنت جازيت الإخاء بمثله |
|
وآسيتني ثم اعتصمت حباليا (٢) |
وقال حميد بن ثور يصف رجلا حمل امرأة بذنبه :
وما كاد لما أن علته يقلها |
|
بنهضته حتى أكلان واعتصما |
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ).
قال مقاتل بن حيان : كان بين الأوس والخزرج في الجاهلية وصال حتى هاجر النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة فأصلح بينهم ، فافتخر بعد ذلك منهم رجلان : ثعلبة بن غنم من الأوس وأسعد بن زرارة من الخزرج ، فقال الأوسي : منّا خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، ومنّا حنظلة غسيل الملائكة ، ومنّا عاصم بن ثابت بن أفلح حمي الدين ، ومنّا سعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرحمة له ورضى الله بحكمه في بني قريظة ، وقال الخزرجي : منّا أربعة أحكموا القرآن : أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد ، ومنّا سعد بن عبادة خطيب الأنصار ورئيسهم فجرى الكلام بينهما فغضبا ، فقال الخزرجي : أما والله لو تأخر الإسلام قليلا وقدوم النبي صلىاللهعليهوسلم لقتلنا ساداتكم ، واستعبدنا آبائكم ونكحنا نسائكم بغير مهر.
فقال الأوسي : قد كان الإسلام متأخرا زمانا طويلا فهلّا فعلتم ذلك ، فقد ضربناكم حتى أدخلناكم الديار ، وأنشدا الأشعار وتفاخرا وتأذيا ، فجاء الأوس إلى الأوسي والخزرج إلى الخزرجي ومعهم سلاح ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فركب حمارا وأتاهم فأنزل الله تعالى هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) الآيات ، فقرأها عليهم فاصطلحوا.
وقال عطاء : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم صعد المنبر وقال : «يا معشر المسلمين ما لي أوذى في أهلي». يعني الطعن في قصة الإفك ، وقال : «ما علمت على أهلي إلّا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت منه إلّا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلّا معي».
فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله وأكفيك أمره وأنصرك عليه ، إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.
فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكنه احتملته الحمية فقال لسعد
__________________
(١) لسان العرب : ٣ / ٤١٨ والبيت للنابغة.
(٢) تفسير الطبري : ٤ / ٣٧.