وقيل لبهلول المجنون : متى يكون العبد متوكلا؟ قال : إذا كان النفس غريبا بين الخلق ، والقلب قريبا إلى الحق.
وعن محمد بن عمران قال : قيل لحاتم الأصم : على ما بنيت أمرك هذا من التوكل؟ قال : أربع خلال : علمت أن رزقي ليس يأكله غيري فلست أشغل به ، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به ، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره ، وعلمت أني بعين الله في كل حال فأنا مستحي منه.
وعن أبي موسى [الوبيلي] (١) قال : سألت عبد الرحمن بن يحيى عن التوكل فقال لي : لو أدخلت يدك في فم التنين حتى تبلغ الرسغ ، لم تخف مع الله شيئا.
قال أبو موسى : [ذهبت] إلى أبي يزيد البسطامي : أسأله عن التوكل ، فدخلت بسطام ودفعت عليه الباب فقال لي : يا أبا موسى ما كان لك في جواب عبد الرحمن من القناعة حتى تجيء وتسألني؟ فقلت : افتح الباب ، فقال : لو زرتني لفتحت لك الباب ، [وإذا] جاء الجواب من الباب فانصرف : لو أن الحيّة المطوقة بالعرش همّت بك لم تخف مع الله شيئا.
قال أبو موسى : فانصرفت حتى جئت إلى دبيل (٢) فأقمت بها سنة ، ثم اعتقدت الزيارة فخرجت إلى أبي يزيد فقال : زرتني مرحبا بالزائرين [لا] أخرجك ، قال : فأقمت عنده شهرا لا يقع لي شيء إلّا أخبرني قبل أن أسأله فقلت له : يا أبا يزيد أخرج وأريد فائدة منك أخرج بها من عندك.
قال لي : اعلم أن فائدة المخلوقين ليست بفائدة ، حدثتني أمّي أنها كانت حاملة بي وكانت إذا قدمت لها القصعة من حلال امتدت يدها وأكلت ، وإذا قدمت من حرام جفت فلم تأكل ، اجعلها فائدة وانصرف. فجعلتها فائدة وانصرفت.
وروى طاوس اليماني (رحمهالله) قال : رأيت أعرابيا قد جاء براحلة له فأبركها وعقلها ، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال : اللهم إن هذه الراحلة وما عليها في ضمانك حتى أخرج إليها.
فخرج الأعرابي وقد أخذت الراحلة وما عليها ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : اللهم إنه ما سرق مني شيء وما سرق إلّا منك. فقال طاوس : فنحن كذلك مع الأعرابي إذا رأينا رجلا من رأس أبي قبيس يقود الراحلة بيده اليسرى ويمينه مقطوعة معلقة في عنقه ، حتى جاء إلى الأعرابي وقال له : هاك راحلتك وما عليها. فقيل له : وما حالك؟ فقال : استقبلني فارس على فرس أشهب في رأس أبي قبيس فقال : يا سارق مدّ يدك فمددتها فوضعها على حجر ثم أخذ آخر فقطعها به وعلقها في عنقي وقال : انزل فرد الراحلة وما عليها إلى الأعرابي.
__________________
(١) هكذا في الأصل.
(٢) مدينة بأرمينية.