وقال الكلبي ومقاتل : نزلت في غنائم أحد حين ترك الرماة المركز ، وطلبوا الغنيمة وقالوا : نخشى أن يقول النبي صلىاللهعليهوسلم : من أخذ شيئا فهو له ، وأن لا يقسّم الغنائم كما لم يقسّم يوم بدر ، فتركوا المركز ووقعوا في الغنائم ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري؟» قالوا : تركنا بقية إخواننا وقوفا ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «بل ظننتم أن نغل ولا نقسم» (١) [١٧٥] فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى بعضهم عن الضحاك عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث طلائع فغنمت ، فقسمها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يقسم للطلائع ، فلما قدمت الطلائع قالوا : قسم الفيء ولم يقسم لنا ، فنزلت هذه الآية.
قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على النبي عليهالسلام وقد غلّ طوائف من أصحابه.
وفي بعض التفاسير : أن الأقوياء ألحّوا عليه يسألونه عن المغنم ، فأنزل الله عزوجل (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) فيعطي قوما ويمنع آخرين ، بل عليه أن يقسم بالسوية ولا يحرم أحدا.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار : هذا في الوحي يقول : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) ويكتم شيئا من وحي الله عزوجل رغبة أو رهبة أو مداهنة ، وذلك أنهم كانوا يكرهون ما في القرآن من عيب دينهم وسب آلهتهم ، فسألوه أن يطوي ذلك ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية.
فأما التفسير فقرأ السلمي ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو وعاصم : (يَغَلُّ) بفتح الياء وفتح الغين ، وهي قراءة ابن عباس واختيار أبي عبيدة.
وقرأ الباقون : بضم الياء وفتح الغين وهي قراءة ابن مسعود واختيار أبي حاتم ، فمعناه أن يخون ، والمراد به الأمة.
وقال بعض أهل المعاني : اللام فيه منقولة ، معناه : ما كان النبي ليغل ، وما كان الله عزوجل أن يتخذ من ولد ، أي ما كان الله ليتخذ من ولد.
وقال بعضهم : هذا من ألطف التعريض لها بأن [برأ ساحة] النبي صلىاللهعليهوسلم من الغلول ، دلّ على أن الغلول في غيره ، ونظيره قوله عزوجل : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢) وهذا معنى قول السدي.
وقال المفضل : معناه ما كان يظن به ذلك ولا يشبهه ولا يليق به ، فاحتج أهل هذه القراءة بقول ابن عباس : كيف لا يكون له أن يغل وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم من الأنبياء يقتل
__________________
(١) عون المعبود : ١١ / ٥.
(٢) سورة سبأ : ٢٤.