فو الله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنأتي على بقيتهم. قال : فإني والله أنهاك عن ذلك فقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتا.
قال : وما قلت؟ قال : قلت :
كادت تهدّ من الأصوات راحلتي |
|
إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل |
تردي بأسد كرام لا تنابلة |
|
عند اللقاء ولا خرق معاذيل |
فظلت عدوا أظن الأرض مائلة |
|
لمّا سمعوا برئيس غير مخذول |
فقلت : وي لابن حرب من لقائكم |
|
إذا تغطمطت البطحاء بالجيل |
إني نذير لأهل السير ضاحية |
|
ولكل ذي إربة منهم ومعقول |
من جيش أحمد لا وحش قنابله |
|
وليس يوصف ما أثبت بالقيل |
قال : فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه ، ومرّ به ركب من عبد القيس فقال : أين تريدون؟ قالوا : نريد المدينة نريد الميرة.
قال : فهل أنتم مبلّغون محمدا عني برسالة أرسلكم بها وأحمّل لكم إبلكم هذه زبيبا بسوق عكاظ إذا وافيتمونا؟ قالوا : نعم ، قال : فإذا جئتموه فأخبروه إنا قد أجمعنا إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم. وانصرف أبو سفيان إلى مكة ومرّ الركب برسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان.
فقال رسول الله وأصحابه : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ، ثم انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد الثالثة إلى المدينة وقد ظفر في وجهه بمعاوية بن المغيرة بن العاص وأبي غرة الجمحي ، هذا قول أكثر المفسرين.
وقال مجاهد وعكرمة : نزلت هذه الآيات في غزوة بدر الصغرى ، وذلك أن أبا سفيان قال يوم أحد حين أراد أن ينصرف : يا محمد موعدنا بيننا وبينك موسم بدر الصغرى لقابل إن شئت.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ذلك بيننا وبينك إن شاء الله» [١٩١] فلما كان العام المقبل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية من الظهران ، ثم ألقى الله عزوجل الرعب في قلبه قبل الرجوع ، فلقى نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرا فقال له أبو سفيان : يا نعيم إني واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي بموسم بدر الصغرى ، وإن هذه عام جدب ولا يصلحنا إلّا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن ، وقد بدا لي أن لا أخرج إليها ، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا ، فيزيدهم ذلك جرأة ، ولأن يكون الخلف من جهتهم أحبّ إليّ من أن يكون من قبلي ، فالحق بالمدينة فثبطهم وأعلمهم أنّا في جمع كثير ولا طاقة لهم بنا ، ولك عندي عشرة من الإبل أضعها لك على يدي سهيل بن عمرو يضمنها.