قال الثعلبي : وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا حامد [الخازرنجي] يقول : المرابطة اعتقال المبارزين في الحرب ، وأصل الربط الشد ، ومنه قيل للخيل : الرباط ، ويقال : فلان رابط الجأش ، أي قوي القلب.
قال لبيد :
رابط الجأش على كل وجل (١)
قال عبيد : داوموا واثبتوا.
عن سمط بن عبد الله البجلي عن سلمان الفارسي : أنهم كانوا في جند المسلمين ، فأصابهم ضرّ وحصر فقال سلمان لصاحب الخيل : ألا أحدّثك حديثا سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيكون لك عونا على الجند ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من رابط يوما أو ليلة في سبيل الله كان عدل صيام شهر وصلاته الذي لا يفطر ولا ينصرف من صلاة إلّا لحاجة ، ومن مات مرابطا في سبيل الله أجرى الله له أجرة حتى يقضي بين أهل الجنة وأهل النار» (٢) [٢٢٢].
الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من رابط يوما في سبيل الله جعل الله عزوجل بينه وبين النار سبعة خنادق ، كل خندق منها كسبع سماوات وسبع أرضين» (٣) [٢٢٣].
وفيه قول آخر وهو ما روى مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن صالح قال : قال لي سلمة بن عبد الرحمن : يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية (اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا)؟ قال : قلت : لا. قال : إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبي صلىاللهعليهوسلم غزو يرابط فيه ، ولكنّه انتظار الصلاة خلف الصلاة. ودليل هذا التأويل ما روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات» قالوا : بلى يا رسول الله. قال : «إسباغ الوضوء عند المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط» (٤) [٢٢٤].
وقال أصحاب اللسان في هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) عند صيام النفس على احتمال الكرب (وَصابِرُوا) على مقابلة العناء والتعب (وَرابِطُوا) في دار أعدائي بلا هرب.
(وَاتَّقُوا اللهَ) بهمومكم من الالتفات إلى السبب (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) غدا بلقائي على بساط الطرب.
__________________
(١) الصحاح : ٢ / ٤٨٢.
(٢) المصنف لابن أبي شيبة : ٤ / ٥٩٠. وكنز العمال : ٤ / ٢٣٢٧ باختلاف.
(٣) تحفة الاحوذي : ٥ / ٢٠٧ ، مجمع الزوائد : ٥ / ٢٨٩.
(٤) تفسير الطبري : ٤ / ٢٩٣ ، والسنن الكبرى : ٢ / ٦٢ ، وتفسير القرطبي : ٤ / ٣٢٣.