وقال المفضل : قولا لينا تطيب به أنفسهم ، وكلما سكنت إليه النفس أحبته من قول أو عمل فهو معروف ، وما أنكرته وكرهته ونفرت منه فهو منكر (وَابْتَلُوا الْيَتامى) الآية ، نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه ، وذلك أن رفاعة توفى وترك ابنه ثابتا وهو صغير ، فأتى عم ثابت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إن ابن أخي يتيم في حجري فما يحل لي من ماله ، ومتى أدفع إليه ماله ، فأنزل الله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتامى) أي اختبروهم في عقولهم وأبدانهم وحفظهم أموالهم (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) أي مبلغ الرجال والنساء (فَإِنْ آنَسْتُمْ) أبصرتم ، قال الله : (آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) (١).
قال الشاعر :
آنست نبأة وأفزعها القناص |
|
عصرا وقد دنا الإمساء (٢) |
في مصحف عبد الله : فإن أحستم بمعنى أحسستم ، فحذف إحدى السينين كقولهم : (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) (٣).
قال الشاعر :
خلا إن العتاق من المطايا |
|
أحسن به فهنّ إليه شوس (٤) |
(مِنْهُمْ رُشْداً). قرأه العامة : بضم الراء وجزم الشين. وقرأ السلمي وعيسى : بفتح الراء والشين ، وهما لغتان.
قال المفسرون : يعني عقلا وصلاحا وحفظا للمال وعلما بما يصلحه.
قال سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي : إن الرجل يأخذ بلحيته وما بلغ رشده فلا يدفع إلى اليتيم ماله وإن كان شيخا ، حتى يؤنس منه رشده.
قال الضحاك : لا يعطى اليتيم وإن بلغ مائة سنة حتى يعلم منه إصلاح ماله.
ذكر حكم الآية :
اعلم أن الله تعالى علق زوال الحجر عن اليتيم الصغير وجواز دفع ماله إليه بشيئين : البلوغ والرشد ، بعد أن أمر الأولياء بالابتلاء.
ومعنى الابتلاء على ما ذكره جماعة من الفقهاء : الصغير لا يخلو من أحد أمرين : إما أن
__________________
(١) سورة القصص : ٢٩.
(٢) غريب الحديث لابن قتيبة : ١ / ٢٢ ، لسان العرب : ١ / ١٦٤.
(٣) سورة الواقعة : ٦٥.
(٤) التبيان : ٧ / ٢٠٥ ، تاج العروس : ٤ / ١٢٨ ونسبه إلى أبي زبيد.