رجعنا إلى تفسير الآية ، اختلف المفسرون في سبب نزولها :
فأخبر محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : مرضت فعادني رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر رضياللهعنه وهما يتمشيان ، فأغشي عليّ فدعا بماء فتوضأ ثم صبّه عليّ فأفقت ، فقلت : يا رسول الله كيف أمضي في مالي؟ كيف أصنع في مالي؟ فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت فيّ آية المواريث.
وقال عطاء : استشهد سعد بن الربيع النقيب يوم أحد وترك امرأة وابنتين وأخا ، فأخذ الأخ المال فأتت امرأة سعد إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا رسول الله إن هاتين ابنتا سعد ، وإن سعدا قتل يوم أحد معك شهيدا ، وإن عمّهما أخذ مالهما ولا ينكحان إلّا ولهما مال ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ارجعي فلعل الله سيقضي في ذلك» [٢٥١] فأقامت حينا ثم عادت وشكت وبكت ، فنزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) إلى آخرها.
فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمّهما وقال : «أعط بنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك» (١) [٢٥٢] ة، فهذا أول ميراث قسّم في الإسلام.
وقال مقاتل والكلبي : نزلت في أم كحة وقد مضت القصة.
وقال السدي : نزلت في عبد الرحمن أخي حسان الشاعر ، وذلك أنه مات وترك امرأة وخمس أخوات ، فجاء الورثة فأخذوا ماله ولم يعطوا امرأته شيئا ، فشكت ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله آية المواريث.
وقال ابن عباس : كانت المواريث للأولاد وكانت الوصية للوالدين والأقربين ، فنسخ الله ذلك ، وأنزل آية المواريث ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله لم يرض بملك مقرب ونبي مرسل حتى تولى قسم التركات وأعطى كل ذي حق حقه ألا فلا وصية للوارث» (٢) [٢٥٣] وقوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ) أي يعهد إليكم ويفرض عليكم (فِي أَوْلادِكُمْ) أي في أمر أولادكم إذا متم (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً) يعني المتروكات (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) فصاعدا يعني البنات (فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) و (فوق) صلة ، كقوله عزوجل : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) (٣).
(وَإِنْ كانَتْ) يعني البنت (واحِدَةً).
قرأه العامة : نصب على خبر كان ، ورفعهما أهل المدينة على معنى : إن وقعت واحدة ، وحينئذ لا خبر له.
__________________
(١) سنن الترمذي : ٣ / ٢٨٠ ، ارواء الغليل : ٦ / ١٢١ ـ ١٢٢.
(٢) مجمع البيان : ٣ / ٢٩ ، ولم يرد فيه ذيل الرواية.
(٣) سورة الأنفال : ١٢.