قال الكلبي : قدم حبران من أهل الشام على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلما أبصرا المدينة ، قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة صفة مدينة النبي صلىاللهعليهوسلم الذي يخرج آخر الزمان! فلما دخلا على النبي صلىاللهعليهوسلم عرفاه بالصفة والنعت. فقالا له : أنت محمد؟ قال : نعم. قالا : وأنت أحمد؟ قال : إنا محمد وأحمد قالا : إنا نسألك عن شيء فإن أخبرتنا به آمنّا بك وصدّقناك. فقال : بلى. قالا : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله؟ فأنزل الله هذه الآية (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) الآية .. فأسلم الرجلان.
واختلف القرّاء في هذه الآية. فقرأ أبو نهيك وأبو الشعثاء : (شَهِدَ اللهُ) بالرفع والمدّ على معنى : هم شهداء يعني : الذين مرّ ذكرهم.
وروى المهلّب عن محارب بن دثار : شَهِدَ اللهَ منصوبة على الحال والمدح.
وقرأ الآخرون : (شَهِدَ اللهُ) على الفعل أي بيّن ؛ لأن الشهادة تبيين.
وقال مجاهد : حكم الله ، الفرّاء وأبو عبيدة : قضى الله ، المفضّل : لعلم الله.
ابن كيسان : (شَهِدَ اللهُ) بتدبيره العجيب ، وصنعه المتقن ، وأموره المحكمة من خلقه (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، وهذا كقول القائل :
ولله في كل تحريكة وتسكينة أبدا شاهد |
|
وفي كل شيء له آية تدل على أنّه واحد (١) |
وقيل لبعض الأعراب : ما الدليل على أنّ للعالم صانعا؟
فقال : إنّ البعرة تدل على البعير ، وآثار القدم تدل على المسير ، وهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة ؛ أما يدلّان على الصانع الخبير.
قال ابن عباس : «خلق الله الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة ، وشهد بنفسه لنفسه قبل أن يخلق الخلق حين كان ولم تكن سماء ولا أرض ولا برّ ولا بحر ، فقال : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)» [٣٠].
وقرأ ابن مسعود : (أنّ لا آله إلا هو ...)
وقرأ ابن عباس : شَهِدَ اللهُ إِنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ : بكسر الألف جعله خبرا مستأنفا معترضا في الكلام على توهم الفاء ، كأنه قال : فإنّه لا إله إلّا هو ، قاله أبو عبيدة والمفضّل ، وقال بعضهم : كسره ؛ لأن الشهادة قول وما بعد القول يكون مكسورا على الحكاية فتقديره قال الله : (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).
(وَالْمَلائِكَةُ) : قال المفضّل : معنى شهادة الله للإخبار والإعلام ، ومعنى شهادة ملائكة
__________________
(١) تفسير الثعالبي : ٢ / ١٤٩.