وقال الضحاك : أي إثما يأتون بإنكارهم لما قضيت (١) (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أي يخضعوا وينقادوا إليك انقيادا (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا) فرضنا وأوجبنا (عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ما أمرنا بني إسرائيل. (أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) كما أمرناهم بالخروج من مصر (ما فَعَلُوهُ) أرجع الهاء إلى فعل القتل والخروج لأن الفعل وإن اختلفت أجناسه فمعناه واحد (إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) وهذه الآية نزلت في قول ثابت بن قيس وكان هو من القليل الذي استثنى الله عزوجل ورفع القليل على ضمير الفاعل بأنهم فعلوه وقلّ على التكرار تقديره : ما فعلوه ، تم الكلام. ثم قال : إلّا أنه فعله قليل منهم. كقول عمر بن معدي كرب :
فكلّ أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلّا الفرقدان (٢) |
وقرأ أبي بن كعب وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق وابن عامر (قليلا) بالنصب ، وكذا هو في مصاحف أهل الشام على [النصب] وقيل : فيه إضمار تقديره إلّا أن يكون قليلا منهم.
قال الحسن ومقاتل : لما نزلت هذه الآية قال عمر وعمار وابن مسعود وناس صحبوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهم القليل : والله لو أمرنا لفعلنا ، فالحمد لله الذي عافانا ، فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي» (٣) [٣٦٧].
قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) تحقيقا وتصديقا لإيمانهم.
(وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً) ثوابا.
(وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً. وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ) نزلت هذه الآية في ثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان شديد الحب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قليل الصبر عنه ، فأتاه ذات يوم ، وقد تغير لونه [ونحل جسمه يعرف في وجهه الحزن] (٤) وقلّ لحمه ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا ثوبان ما غيّر لونك؟» (٥) [٣٦٨]؟
فقال : يا رسول الله ما بي مرض ، ولا وجع ، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك ، وتوجّست وحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك ، لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين وأني وإن ادخلت الجنة ، كنت في منزلة أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة فذلك حين لا أراك أبدا.
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي : ٥ / ٢٦٩.
(٢) المغني : ٤ / ٣٠٠.
(٣) كنز العمّال : ١٢ / ١٨٢ ، ح ٣٤٥٧٣.
(٤) زيادة عن أسباب النزول للواحدي : ١١٠.
(٥) زاد المسير : ٢ / ١٥٠ وتفسير القرطبي : ٥ / ٢٧١.