فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأبويه وأهله وولده والناس أجمعين» (١) [٣٦٩].
وقال قتادة ومسروق بن الأجدع : أنّ أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم قالوا : ما ينبغي لنا أن نفارقك فإنا لا نراك إلّا في الدنيا فأما في الآخرة فإنك ترفع فوقنا بفضلك فلا نراك ، فأنزل الله تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) في الفرائض (وَالرَّسُولَ) في السنن (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ) وهم أفاضل أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم (وَالشُّهَداءِ) وهم الذين استشهدوا في سبيل الله (وَالصَّالِحِينَ) من صلحاء أمة محمد صلىاللهعليهوسلم.
قال عكرمة : النبيون : محمّد ، والصديقون : أبو بكر الصديق ، والشهداء عمر وعثمان وعلي رضياللهعنهم ، والصالحون سائر أصحابه. (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) يعني دوما في الجنة كما يقول : نعم الرفقا هم.
والعرب تضع الولي في معنى الجمع كثيرا ، كقوله : نحن منكم قبلا أي اطيادا ، (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) أي الأدبار ويقولون (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ).
وقوله (رَفِيقاً) نصب على خبر (ذلِكَ الْفَضْلُ) [احسان] (مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) يعني بالآخرة وثوابها.
وقيل : بمن أطاع رسول الله وأحبه ، وفي هذه الآية دلالة على خلافة أبي بكر الصديق رضياللهعنه وذلك أن الله تعالى لما ذكر مراتب أوليائه في كتابه بدأ بالأعلى منهم ، وهم النبيون فجعل الروضة الأعلى للنبيين فلم يجز أن يتقدمهم فيها أحد وثنى بذكر الصديقين فلا يجوز ان يتقدمهم أحد غير النبيين ولأن يكون من النبي صديق سرهم ، وقد أجمع المسلمون على تسمية أبي بكر صديقا كما أجمعوا على تسمية محمد رسول الله ولم يجز أن يكونوا غالطين في تسميتهم محمد الرسول كذلك لا يجوز أن يكونون غالطين في تسمية أبي بكر صديقا فإذا صح انه صديق وأنه ثاني رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يجز أن يتقدّمه بعده أحد والله أعلم ، وفي قوله (الْفَضْلُ مِنَ اللهِ) دليل على أنّهم لم ينالوا تلك الدرجة بطاعتهم بل نالوها بفضل الله خلافا ، لما قالت المعتزلة ان العبد إنما ينال ذلك بفعله فلما احسن الله على عباده بما آتاهم من فضله فكان لا يجوز أن يثني على نفسه بما لم يفعله ، فثبت ذلك على بطلان قولهم ثم علّمهم مباشرة الحروب ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) من عدوكم أي عدتكم وآلاتكم من
__________________
(١) صحيح البخاري : ١ / ٩ ، وسنن ابن ماجة : ١ / ٢٦ ، والسنن الكبرى : ٦ / ٥٣٤ ، بتفاوت ، ويوجد بتمامه في تفسير مجمع البيان : ٣ / ١٢٦.