وقوله (فَأَفُوزَ) نصب على نحو التمني بالفاء ، وفي [التمني] (١) معنى يسرني أن افعل ما فعل كأنه متشوق لذلك النصيب ، كما يقول : وددت ان أقوم فمنعني أناس ثم نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن أحد.
(فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨))
(فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) أي انهم يختارون الحياة الدنيا على الآخرة ومعنى (يَشْرُونَ) يشترون ، يقال شريت الشيء أي اشتريت ، وحينئذ يكون حكم الآية : آمنوا ثم قاتلوا ، لأنه لا يجوز ان يكون الكافر مأمورا بشيء مقدم على الإيمان.
وقال بعضهم : نزلت هذه الآية في المؤمنين المخلفين ومعناه (فليقاتل في سبيل الله الّذين يبتغون الحياة الدّنيا بالآخرة).
ثم قال : (وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ) أو من يستشهد أو يعذب أو يظفر (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ) في كلا الوجهين (أَجْراً عَظِيماً) يعني الجنة ثم خصّ المؤمنين على السعي في تخليص المستضعفين مثل (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ) أي تجاهدون (فِي سَبِيلِ اللهِ) يعني في طاعة الله (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) في موضع الخفض.
قال الكلبي : عن أبي صالح عن ابن عباس ومعناه عن المستضعفين وكانوا بمكة يلقون من المشركين أذى كثيرا وكانوا يدعون و (يَقُولُونَ : رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ) يعني مكة (الظَّالِمِ أَهْلُها) أي التي من صفتها إن أهلها ظالمون مشركون وإنّما خفض الظالم لأنه نعت الأهل فلما عاد الأهل إلى القرية كان فعل ما أضيف إليها بمنزلة فعلها كقوله : مررت بالرجل الواسعة داره ، ومررت برجل حسنة عينه.
__________________
(١) كذا الظاهر من المخطوط.