(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي وذلك إنه أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكة قبل أن يهاجر رسول الله إلى المدينة وأسلم معه ، ثم خاف أن يظهر إسلامه لأهله ، وأن يبلغ أهل مكة إسلامه ، فخرج هاربا من مكة إلى المدينة ، ثم قدمها فكان أطما من آطامها فتحصن فيه ، فجزعت لذلك امه جزعا شديدا ، حين بلغها إسلامه ، وخروجه إلى المدينة ، فقالت : لابنها الحرث وأبي جهل بن هشام وهما أخواه لأمه ، والله لا يظلني سقف ولا أذوق طعاما ولا شرابا حتى تأتوني به ، فخرج في طلبه وخرج معهم الحرث ابن زيد بن أبي أنيسة من الكعبة إلى المدينة ، فأتوا بالمدينة ، فاتوا عياشا وهو في الأطم «يعني الجبل» فقالا له : انزل فإن أمك لم يؤوها سقف بيت بعدك ، وقد حلفت أن لا تأكل طعاما ولا تشرب شرابا حتى ترجع إليها. ذلك عهد الله علينا ان لا نكرهك على شيء ولا نحول بينك وبين دينك ، فلما ذكروا له خرج إليهم ثم حلفوا بالله ، فنزل إليهم فأخرجوه من المدينة ، ثم أوثقوه بنسع فجلده كل رجل منهم مائة جلدة ، ثم قدموا به على أمه وهي أسماء بنت مخرمة ، فلما دخل قالت : والله لا أفكك من وثاقك حتى تكفر بالذي آمنت به.
ثم تركوه متروكا موثقا في الشمس ما شاء الله ثم أعطاهم الذي أرادوا فأتاه الحرث بن زيد ، فقال له : يا عياش هذا الذي كنت عليه ، فو الله لئن كان هدى لقد تركت الهدى ولئن كانت ضلالة لقد كنت عليها فغضب عياش من مقاله ، وقال : والله لا ألقاك خاليا أبدا إلّا قتلتك ، ثم أن حارثا بعد ذلك أسلم وهاجر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة وكان عياش يومئذ حاضرا ، ولم يشعر بإسلامه فبينا عياش حاضر إذ لقي الحرث بن زيد ولما رآه حمل عليه فقتله فقال الناس : أي شيء [صنعت] إنه قد أسلم ، فرجع عياش إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله قد كان أمري وأمر الحرث ما قد علمت وإني لم أشعر بإسلامه حتى قتلته (١) ، فنزل عليه قوله تعالى (ما كانَ لِمُؤْمِنٍ) أي لا ينبغي لمؤمن (أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) وليس معنى قوله (وَما كانَ) على النفي وإنما هو على التحريم والنهي كقوله (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) (٢).
ولو كان ذلك على النفي لما وجدت مؤمنا قتل مؤمنا قط لأنّ ما نفى الله لم يجز وجوده.
كقوله تعالى (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) (٣) ولا يقدر العباد على إنبات شجرها البتة.
وقوله تعالى (إِلَّا خَطَأً) عندنا ليس من الأول للمعنى.
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً) البتة إلّا أن المؤمن قد يخطئ في القتل وكفّارة خطأه ما ذكر بعده.
__________________
(١) أسباب النزول للواحدي : ١١٤.
(٢) سورة الأحزاب : ٥٣.
(٣) سورة النمل : ٦٠.