قال أبو عبيدة : العرب تستثني الشيء من الشيء فليس منه على اختصار وضمير ، أي ليس مؤمنا على حال ، إلّا أن يقتل مخطئا فإن قتله مؤمنا فعليه ، كذا وكذا ، ومثله قوله (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) (١) واللمم ليس من الكبائر ومعناه إلّا أن يلم بالفواحش والكبائر أي يقرب منها.
ومثله قول جرير :
من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ |
|
على الأرض إلّا ذيل برد مرجّل (٢) |
فكأنه قال : لم يطأ على الأرض إلّا أن يطأ ذيل البرد فليس هو من الأرض.
وقال أبو خراش الهذلي :
أمست سقام خلاء لا أنيس به |
|
إلّا السباع ومرّ الريح بالغرف (٣) |
الغرف متجر يعمل فيها الغرابيل ، وسقام واد لهذيل وكان أبو عمر الهذلي يرتع ذلك ومثله قول الشاعر :
وبلدة ليس بها أنيس |
|
إلّا اليعافير وإلّا العيس (٤) |
يقول : إلّا أن يكون بها اليعافير والعيس.
وقال بعضهم : إلّا هاهنا معنى لكن فكأنه قال (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) ولا عمدا إلّا بحال. لكن إن قتله خطأ فكذا وكذا وهذا كقوله (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) (٥) معناه لكن تجارة عن تراض منكم.
وقوله (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أي فعليه تحرير أي إعتاق (رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ).
قال المفسرون : المؤمنة المصلية المدركة التي حصّلت الإيمان ، فإذا لم تكن المؤمنة جبرها الصغيرة المولود فما فوقه ممن ليس بها زمانة (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ) أي كاملة إلى أهل القتيل الذين يرثهم ويرثونه (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) أي يتصدقوا بالدية فيعفوا ويتركوا الدية.
(فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية على القاتل ولا دية لأهل القتيل ، لأنهم كفار محاربون ومالهم في المسلمين وليس بينهم وبين الله عهد ، ولا ذمّة وذلك ان الرجل كان يسلم ولا يسلم من تبعه غيره وقومه حرب للمسلمين فيصيبه الرجل.
__________________
(١) سورة النجم : ٣٢.
(٢) تفسير مجمع البيان : ٣ / ١٥٥ وفيه : ربط ، بدل : ذيل ، وتفسير القرطبي : ٥ / ٣١٢ ، وفيه : مرط مرحل ، بدل : برد مرجّل.
(٣) الصحاح : ٤ / ١٤٠٩ وتفسير القرطبي : ٥ / ٣١٢.
(٤) لسان العرب : ١٥ / ٣١٢.
(٥) سورة النساء : ٢٩.