وقد تكلفت الخوارج والمعتزلة بهذه الآية.
وقيل : إن المؤمن إذا قتل مؤمنا متعمدا يدخل في النار مؤبدا لأنّ الله تعالى قال : (خالِداً فِيها).
يقال لهم : إن هذه الآية نزلت في كافر قتل مؤمنا متعمدا.
وقد ذكرنا القصة فيه وسياق الآية وروايات المفسرين [لها] على أنّا لو سلّمنا إنّها نزلت في مؤمن قتل مؤمنا متعمدا ، فإنا نقول لهم : لم قلتم إن الخلود هو التأبيد ، خبرونا عن قول الله (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) فما معنى الخلد هاهنا في النار ، يقولون : إنه المراد به التأبيد في الدنيا.
والدنيا تزول وتفنى.
ومثله قوله (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) (١) وكذلك قوله (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) (٢) إنما يعني في الدنيا أفتقولون إنّه أراد به التأبيد؟
فإن قالوا : لا ولا بد منه ، فيقال لهم : قد ثبت أن معنى الخلود هو معنى التأبيد ، فكذلك يقول العرب : لأودعنّ فلانا في السجن ، أفتقولون إنه أراد به التأبيد والسجن ينقطع ويفنى؟
وكذلك المسجون يدخل ويخرج منه فإن قالوا : إن الله لما قال : (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) دلّ على كفره لأن الله لا يغضب إلّا على من كان كافرا أو خارجا من الإيمان.
قلنا : إن هذه الآية لا توجب عليه الغضب لأن معناه (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) ان يغضب عليه ويلعنه ، وما ذكر الله من شيء وجعله جزاء لشيء فليس يكون ذلك واجبا كقوله (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) (٣) وكم محارب لله ولرسوله لم يحلّ به شيء من هذه المعاني. إلى أن فارق الدنيا. (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (٤).
ولم يقل : أجزي بكل سيئة بسيئة مثلها.
ولو كان المعنيان في ذلك سواء لم يكن إذا لقوله (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٥) معنى ، فكذلك هاهنا.
ولو كان ذلك على معنى الوجوب.
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٣٤.
(٢) سورة الهمزة : ٣.
(٣) سورة المائدة : ٣٣.
(٤) سورة الشورى : ٤٠.
(٥) سورة المائدة : ١٥.