وأصله كله من النجوة فهو مرتفع من الأرض.
قال الشاعر :
كمن بنجوته كمن بعقوته |
|
والمستكن كمن يمشي بقرواح (١) |
فمعنى (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) يعني ما دوّن منهم من الكلام (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) يجوز ان يكون في موضع الخفض والنصب والرفع ، فوجه الخفض على قولك : لا خير في كثير من نجواهم إلّا فيمن أمر بصدقة.
والنجوى هاهنا الرجال المتناجون كما قال : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى).
وقال قائلون : النجوى لمنة فيه فالمنصوب يعلا أن يجعل النجوى فعلا ويكون قوله إلّا استثناء من غير الجنس فيكون وجه النصب ظاهرا.
قال النابغة :
إلّا الأواري لأياً ما أبينها |
|
والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد (٢) |
وقد يكون في موضع رفع فمن نصب على المعرفة.
وقال الشاعر :
وبلدة ليس بها أنيس |
|
إلّا اليعافير وإلّا العيس |
(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) نزلت في طعمة بن الأبرق أيضا وذلك إنه لما نزل القرآن فيه وعلم قومه إنه ظالم وخاف هو على نفسه من القطع والفضيحة ، هرب إلى مكة فأنزل الله فيه (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) أي يخالف (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) أي التوحيد بحدوده (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) يقول غير دين المؤمنين دين أهل مكة عبادة الأوثان (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) نكله وما أدخره إلى ما تولى في الدنيا (وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) فلم ينته طعمة ولم يراجع وتعمد فأدلج على الرجل من بني سليم من أهل مكة فقال له الحجاج : كف أخلاط فنقب بيته فسقط عليه حجر من البيت فتسبب فيه فلم يستطع أن يدخل فقال رجّحني بمعنى أصبح فأخذ [يتفل] (٣) ، فقال بعضهم : دعوه فإنه لجأ إليكم ، فتركوه وأخرجوه من مكة فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشام فرد فرارا منهم فسرق بعض بضاعتهم وهرب فطلبوه وأخذوه فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، فصار قبره تلك الأحجار ويقال انه ركب البحر إلى جدّة فسرق من السفينة كيسا فيه
__________________
(١) الصحاح : ١ / ٣٩٦.
(٢) لسان العرب : ٣ / ١٢٦ ، والأواري جمع آري وهو مربط الدابة ، واللاي : الجهد ، والنؤي : حفرة.
(٣) كذا في المخطوط.