وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣))
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا) يعني اليهود الذين علم الله تعالى منهم إنهم لا يؤمنون (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) يعني دين الإسلام (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) يعني اليهودية (خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) إلى قوله تعالى (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا) الآية نزلت في النسطورية والماريعقوبية والملكانية والمرقوسية وهم نصارى نجران وذلك إن الماريعقوبية قالوا لعيسى : هو الله ، وقالت النسطورية : هو ابن الله ، وقالت المرقوسية : هو روح الله ، فأنزل الله تعالى (يا أَهْلَ الْكِتابِ) يعني يا أهل الإنجيل وهم النصارى (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) أي لا تتشددوا في دينكم فتفتروا عليّ بالكذب ، وأصل الغلو مجاوزة الحد في كل شيء ، يقال : غلا بالجارية لحمها وعظمها إذا أسرعت الشباب فجاوزت لداتها (١) يغلو بها غلوا وغلاء.
خالد المخزومي :
خمصانة فلق موشحها |
|
رؤد الشباب غلا بها عظم (٢) |
(وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) لا تقولوا أن لله شركاء أو ابنا ، ثم بين حال عيسى وصفته فقال (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) وهو الممسوح المطهر من الذنوب والأدناس التي تكون في الناس كما يمسح للشيء من الأذى الذي يكون فيه فيطهر ، عيسى ابن مريم لا ابن الله بل رسول الله [وعبده قال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)] ردّ بهذا على اليهود والنصارى جميعا (وَكَلِمَتُهُ) يعني قوله : (كُنْ) ، فكان بشرا من غير أب وذلك قوله تعالى (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) (٣) الآية وقيل : هي بشارة الله مريم بعيسى ورسالته إليها على لسان جبرئيل وذلك قوله تعالى (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ) وقال تعالى (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ ... أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) يعني أعلمها وأخبرها بها كما يقال : ألقيت إليك كلمة حسنة (وَرُوحٌ مِنْهُ) الآية.
قال بعضهم : معناه ونفخة منه وذلك أن جبرئيل نفخ في درع مريم فحملت بإذن الله ، فقال : (وَرُوحٌ مِنْهُ) لأنه بأمره كان المسيح وربما لأنه ريح يخرج من الروح (٤) ، قال ذو الرمة يصف شرر النار التي تسقط من القداحة :
__________________
(١) لداته ، اللدات جمع لدة : الترب ، وهو الذي ولد معك وتربّى.
(٢) لسان العرب : ١٥ / ١٣٢.
(٣) سورة آل عمران : ٥٩.
(٤) هكذا في الأصل.