(وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) (١) : وقرأ عبيد عن عمير مُحْضِراً بكسر الضاد يريد أن عمله يحضره الجنّة يسرع به من الحضور أو الحضر.
(وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) : جعل بعضهم خبرا في موضع النصب ، وأعمل فيها الوجود وجعل عملت صلة لها ، أي : ويجد عملها ، وجعله بعضه خبرا مستأنفا ، وحينئذ يجوز في (تَوَدُّ) الرفع ، والجزم ، دليل هذا التأويل : قراءة عبد الله (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ). (لَوْ أَنَّ بَيْنَها) : بين النفس (وَبَيْنَهُ) : يعني بين السوء (أَمَداً بَعِيداً) : والأمد : الأجل والغاية الّتي ينتهي إليها.
قال الله : (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) (٢) ، وقال : (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) (٣).
قال النابغة :
ألا لمثلك أو من أنت سابقة |
|
بسبق الجواد إذا ستويا على الأمد |
قال السدي : (أَمَداً بَعِيداً) أي : مكان بعيد.
مقاتل : كما بين المشرق والمغرب.
قال الحسن : ليس أحدهم أن لا يلقى عمله أبدا ولا يودّ لو أن يعلمه.
(وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) : أي بالمؤمنين منهم.
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) الآية ، قال الحسن وابن جريج : زعم أقوام على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّهم يحبّون الله ، فقالوا : يا محمّد إنّا نحب ربّنا ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية ، وجعل اتّباع نبيه علما لحبّه تعالى.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : وقف النبي صلىاللهعليهوسلم على قريش وهم في المسجد الحرام ، وقد نصبوا أصنامهم وعلّقوا عليها بعض النعام وجعلوا في آذانها السيوف وهم يسجدون لها. فقال : يا معشر قريش والله لقد خالفتم ملّة أبيكم إبراهيم وإسماعيل ، ولقد كانا على الإسلام. فقالت له قريش : يا محمّد إنّا نعبدها حبّا لله ، (لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) ، فقال الله تعالى : (قُلْ) يا محمّد (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ) وتعبدون الأصنام ليقرّبوكم إليه (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) ، وأنا رسوله إليكم وحجّته عليكم وأنا أولى بالتعظيم من الأصنام.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : إنّ اليهود لمّا قالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ، أنزل الله هذه الآية ، فلمّا نزلت عرضها رسول الله صلىاللهعليهوسلم على اليهود ، فأبوا أن يقبلوها.
__________________
(١) سورة الكهف : ٤٩.
(٢) سورة الجن : ٢٥.
(٣) سورة الحديد : ١٦.