ما زال مهري مزجر الكلب منهم |
|
لدن غدوة حتى دنت لغروب (١) |
(ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) : نسلا مباركا تقيّا صالحا رضيّا ، والذرية تكون واحدا أو جمعا ذكرا أو أنثى ، وهو هاهنا واحد يدل عليه قوله : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) (٢) ، ولم يقل أولياء وإنّما أنث طيبة ؛ لتأنيث لفظ الذرية.
كما قال الشاعر :
أبوك خليفة ولدته أخرى |
|
وأنت خليفة ذاك الكمال (٣) |
فأنث ولدته ؛ لتأنيث لفظ الخليفة ، فكما قال آخر :
ما تزدري من حية جبلية سكات |
|
إذا ما غض ليس بأدردا (٤) |
فأنث الجبلية ؛ لتأنيث لفظ الحية ثم رجع إلى المعنى ، فقال : غض ؛ لأنه أراد حية ذكرا والحية تكون الذكر والأنثى ، وإنّما جوّز هذا فيما لم يقع عليه ؛ فلأن من الأسماء كالدابة والذرية والخليفة فإذا سمي بشيء من ذلك رجل هو كان من معنى رجلان ، لم يجز تأنيث فعله ولا نعته فلا تقول من ذلك : حدثنا مغير الضبي ، ولا يجوز حدثتنا مغيرة الضبية.
(إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) : أي سامعه وقيل مجيبه ، لقوله تعالى : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) : أي فأجيبون. وقولهم : سمع الله لمن حمده : أي أجابه.
وأنشد :
دعوت الله حتى خفت ألا |
|
يكون الله يسمع ما أقول (٥) |
: أي بكيت قتادة عن أنس بن مالك قال : قال صلىاللهعليهوسلم : «أيما رجل مات وترك ذرية طيبة أجرى الله عليه مثل أجر عملهم لا ينقص من أجورهم شيئا» [٥٠] (٦).
(فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) : قرأ يحيى وثابت والأعمش وحمزة والكسائي وخلف : فناداه بالياء ، وأبو عمارة وأبو عبيدة ، وقرأ الباقون : بالتّاء واختاره أبو حاتم : فإذا تقدم الفعل فأنت فيه بالخيار إن شئت أنّثت وإن شئت ذكّرت ، إلّا أنّ من قرأ بالتاء ؛ فلأجل تأنيث الملائكة للفظ والجمع مع إن الذكور إذا تقدم فعلهم وهو جماعة كان التأنيث فيه أحسن وأفصح كقوله : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) (٧) ، ومن ذكّر خلها.
__________________
(١) البداية والنهاية : ٤ / ٢٤. (٢) سورة مريم : ٥.
(٣) الصحاح : ٤ / ١٣٥٦.
(٤) الصحاح : ١ / ٢٥٣.
(٥) الفائق في غريب الحديث : ٢ / ١٥٨.
(٦) تفسير القرطبي : ٤ / ٧٢.
(٧) سورة الحجرات : ١٤.