العاقل تكفيه الإشارة.
فالمجتهدون ـ رضوان الله عليهم ـ لمّا اطّلعوا بعنوان التفصيل على ما أشرنا إليه وما لم نشر ، وعاينوها وشاهدوها بحيث لم تخف عليهم ، وعلموا ـ أيضا ـ أنّ الأحكام الشرعيّة لا بدّ أن تكون يقينية كما عرفت ، اعتبروا لمعرفة الأحكام كلّ ما له دخل ومدخليّة في فهمها ، والوثوق به ممّا علموا أنّ له مدخليّة ، أو ظنّوا ، أو احتمل عندهم المدخليّة ، بحيث لو لم يراعوه لعلّه يتحقّق خلل.
وجعلوا تلك الامور شرائط الاجتهاد ، وبذلوا جهدهم في معرفة الحكم الشرعي على سبيل اليقين إن حصل ، وإلّا فما هو أحرى إلى أن يحصل لهم اليقين بجواز عملهم به وكونه محسوبا عندهم مكان الحكم الشرعي على سبيل اليقين ، وما جوّزوا غير ذلك ، لما عرفت من الدليل.
ولذا لم يجوّزوا لغير المجتهد العمل بفهمه والبناء على ظنّه ، وفي الحديث : أنّ من لم يعلم الحكم ومع ذلك يحكم ، فإنّه من أهل النار ، وإن كان حكمه حقّا (١) ، وسيجيء أيضا في مبحث القضاء والفتوى ما سيجيء.
وبعد الشروع في الاجتهاد إلى أن يصل إلى أحد اليقينين المذكورين ـ اليقين بالصدور إن أمكن ، وإلّا اليقين بالعمل لا أقلّ من ذلك ـ يظهر اختلالات لا تحصى ، كلّ واحد منها مانع عن حصول اليقين جزما ، وإن كان يقين العمل.
فلا بدّ من سدّ تلك الاختلالات وعلاجها بالوجه المقبول (٢) شرعا ، كما أشرت إلى الاختلالات وإلى العلاج في «الفوائد» (٣).
__________________
(١) الكافي : ٧ / ٤٠٧ الحديث ١ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٣ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢١٨ الحديث ٥١٣ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٢٢ الحديث ٣٣١٠٥ نقل بالمعنى.
(٢) في (د ١) و (ز ٢) و (ط) : المنقول.
(٣) الفوائد الحائريّة : ٢٠٧ ـ ٢٣٢ الفائدة ٢٠ ـ ٢٢.