ثمّ اعلم! أنّهم يطلقون الأصل على الدليل والعمومات والقاعدة الشرعيّة ، وربّما يخفى على بعض دليلهم وعموماتهم ومنشأ قاعدتهم ، فيتوهّم من جهة خفائه عليه أنّه لا أصل له ، وأنّه بدعة في الدين ، وربّما لا يخفى ، إلّا أنّهم لا يتفطّنون ولا يتفرّسون ، وهذا هو الأكثر.
كما أنّهم ربّما يطلقون الأصل على ما يثبت من الاصول المذكورة ، ولا يتفطّن هؤلاء ، وإلّا فالأصل الذي يكون مبتدعا غير موجود في كلام الأصحاب أصلا ورأسا ، كما هو غير خفي على المطّلع الفطن.
قوله : (بقياسات عاميّة) .. إلى آخره.
اتّفق علماؤنا ـ رضوان الله عليهم ـ على حرمة القياس ، بل صارت من ضروريّات مذهبنا ، وإن حكي عن ابن الجنيد رحمهالله أنّه كان يقول بحلّيّته (١) ، ثمّ رجع عنه (٢) ، فظهر أنّها ما كانت ضروريّة في زمانه وقبل رجوعه.
ثمّ لا يخفى أنّه كما يحرم القياس والتعدّي عن مدلول النصّ مطلقا ، كذا يجب التعدّي عن مدلول النصّ قطعا ، لا من جهة القياس ، بل بدليل آخر شرعيّ.
وبناء الفقه من أوّله إلى آخره على التعدّي عن مدلول النصّ الوارد فيه ، مثل : التعدّي عن الخطاب إلى مفرد معيّن إلى الجمع ، فإنّ «افعل» مثلا ـ بحسب اللغة والعرف ـ موضوع للخطاب إلى مفرد مذكّر حاضر ، والمتبادر منه ليس إلّا ما ذكر ، ومع ذلك إذا رأيناه في نص في مقام حكم وتكليف ، ما نقتصر على معناه ، بل نتعدّى إلى كلّ مكلّف.
ومعظم التكليفات ثبت كذلك ، بأن نتعدّى من المفرد إلى الجميع ، ومن
__________________
(١) حكى عنه في رجال النجاشي : ٣٨٨ الرقم ١٠٤٧ ، الفهرست للشيخ الطوسي : ١٣٤ الرقم ٥٩٠.
(٢) الفوائد المدنيّة : ١٣٥ ، الوافية : ٢٣٦.