فمن أين علم هؤلاء أنّ المخالف كان في عصر الإجماع؟ بل هذا غلط يقينا ، لأنّ الإجماع لا ينعقد في زمان المخالف جزما ، بل ينعقد في زمان المعصوم عليهالسلام ؛ ويظهر على الفقهاء بالتظافر والتسامع والنقل.
وصرّح في «المدارك» ومن تابعه في كتبهم بأنّ انعقاد الإجماع في أزمنة المفيد وأمثاله ومن تأخّر عنهم غير ممكن التحقّق (١) ، فالمخالف ليس في عصر الإجماع ولا ما قاربه جزما ، فخروج معلوم النسب غير مضرّ بجميع الإجماعات بالاتّفاق.
فإن قلت : لو كان هذا الإجماع حقّا ، فكيف يخفى على مثل المفيد مع قرب عهده؟
قلت : ابن الجنيد أقرب عهدا ، لأنّه معاصر للغيبة الصغرى (٢) ، وحرمة القياس أظهر ثمّ أظهر على ما عرفت ، بل كثير من أمثاله صدر عنه وعن أمثاله ، مثل ابن أبي عقيل (٣) ، بل ومن تقدّم عليه ، بل من لاحظ «المسائل الناصريّة» يظهر عليه ما ذكرنا غاية الظهور (٤).
مع أنّه لم يشترط أحد في الإجماع أن لا يخفى على فقيه ، بل غلط جزما ، لأنّ المدار في الإجماع المنقول بخبر الواحد على ذلك ، إذ كلّ من اطّلع على الإجماع نقله وادّعاه عادة ، فلو كان الكلّ يطّلع ، لكان كلّ إجماع منقول بخبر الواحد يخرج عن الآحاد ، ويدخل في المتواتر ، بل فوق مرتبة التواتر ، لأنّ الفقهاء أجمعوا على نقله على ما فرض ، ولم يوجد مثل هذا أصلا أبدا لا في الضروريّات ولا في القطعي ولا الظنّي.
__________________
(١) مدارك الأحكام : ١ / ٢٧٥ ، معالم الدين في الاصول : ١٧٥.
(٢) لاحظ! رجال النجاشي : ٣٨٥ ـ ٣٨٨.
(٣) لاحظ! مختلف الشيعة : ١ / ١٧٦.
(٤) الناصريّات : ١٠٠ و ١٠٥ المسألة ١٩ و ٢٢.