الأئمّة عليهمالسلام في ذلك حالهم في طعنهم على العامّة في اختلافهم في الحكم والدين ، مع كون الحكم واحدا والدين غير متعدّد ، ومع ذلك صدر منهم عليهمالسلام الاختلاف أكثر ممّا صدر من العامّة ، وجعلوا شيعتهم أشدّ اختلافا ، إلى غير ذلك ممّا طعنوا على العامّة ، ومع ذلك ألزموا شيعتهم بذلك تقيّة ومصلحة ، وربّما كانوا يقولون للقمّيين حكما ، وللعراقيّين خلافه ، وقس على هذا.
وممّا ذكر ظهر أنّه لا مانع عقلا من أنّ فقيها واحدا يعتقد في وقت إجماعا وفي وقت آخر عدمه ، بل في وقت آخر الإجماع على خلافه ، لكن الأخير فرضه نادر ، ولذا إن وقع من نادر منهم فعلى سبيل الندرة.
ومعلوم أنّ كلّ اعتقاد لا يجب أن يكون مطابقا للواقع ، ولا يستحيل تخلّفه عنه ، ولذا إجماعهم المنقول عنهم لا يوجب العلم لنا إلّا أن يصير متواترا أو محفوفا بالقرينة المفيدة للقطع ، نعم يورث المظنّة إن لم يكن اختلاف لا علاج لرفعه ، أو ريبة فيه ، كسائر أخبار الآحاد ، وأمّا أنّه حجّة لنا أم لا فسيجيء الكلام فيه.
قوله : (ولم أعتمد منه إلّا على ما علم). إلى آخره.
أجمع علماء الشيعة على حجيّة الإجماع ، لما عرفت من كونه مفيدا للقطع بقول المعصوم عليهالسلام ، وأنّه ما لم يقطع به لم يكن إجماعا قطعا ، بل يكون شهرة ، وسيجيء حال الشهرة.
فإذا حصل القطع بقوله عليهالسلام لم يكن فرق بينه وبين خطاب المعصوم عليهالسلام مشافهة ، فكلّ ما دلّ على حجيّة خطابه الشفاهي دلّ على حجيّة الإجماع من دون تفاوت أصلا ، بل الإجماع أولى وأقوى ، لأنّ دلالة الألفاظ ظنيّة ما لم يكن قرائن عقليّة.
فما يقوله بعض : إنّ الإجماع ليس بحجّة (١) إن أراد غير الاصطلاحي فهو
__________________
(١) الحدائق الناضرة : ١ / ٣٥ ، ٩ / ٣٦١.