ولعلّ المراد الإيجاب في القرآن ، كما ذكرنا ، أو أنّ ما أوجب الله غير ما أوعد الله عليه ، أو أنّ المراد الوعيد بالنار صريحا ، أو بالدلالة الظاهرة ، أو أنّ العقاب أعمّ من النار ، لا مجرّد الأمر والإيجاب والإلزام ، إذ لا شكّ في أنّ الصغيرة ذنب ، لا أنّها مكروهة.
ولو كان المراد كلّ ما يستحقّ عليه العقاب ، فلا شكّ في أنّ الحقّ مع من يقول : إنّ كلّ ذنب كبيرة.
وقيل : الكبيرة ما على فاعلها حدّ شرعي (١).
ويظهر من آية (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (٢) أنّ الصغيرة ما هي مكفّرة بترك الكبائر ، فلا عقاب عليها بعد اجتناب الكبائر لا مطلقا ، فيمكن أن يكون المراد ما يستحقّ به العقاب مطلقا ، فتأمّل!
والأولى والأحوط أن يكون ساترا لجميع عيوبه ، فلو صدر منه الصغيرة بادر بالتوبة حتّى لا تصير بالإبقاء كبيرة ، على ما قال بعض العلماء (٣).
ورواه جابر عن الباقر عليهالسلام في قول الله عزوجل (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٤) ، قال : «الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر ولا يحدث نفسه بتوبة ، فذلك الإصرار» (٥).
فيمكن أن يكون الفرق بينها وبين الكبيرة : أنّ الكبيرة كبيرة من أوّل الأمر ، وهذه تصير كبيرة بعد الفعل ومضيّ زمان يتحقّق فيه الاستغفار والتوبة مع التفطّن
__________________
(١) لاحظ! مجمع البيان : ٢ / ٨٤ (الجزء ٥).
(٢) النساء (٤) : ٣١.
(٣) منهم الشهيد الثاني في مسالك الأفهام : ١٤ / ١٦٨ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٣٥١.
(٤) آل عمران (٣) : ١٣٥.
(٥) الكافي : ٢ / ٢٨٨ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٣٨ الحديث ٢٠٦٨٢.