ولعلّ بقاء التوبة على حالها مدّة والبقاء عليها يكفي له ، وإن كان الأولى ارتكاب أزيد منه ، بأن يفعل مستحبّا ، فإنّ الفقهاء اختلفوا ، فمنهم من اكتفى بمجرّد التوبة (١) ، ومنهم من اشترط العمل الصالح (٢) ، ومنهم من اكتفى فيه بالبقاء على التوبة (٣) ، كما ذكرنا ، والأوّل أقوى ، والثاني أحوط ، وهذا أيضا ما يؤيّد عدم اعتبار الملكة ، ولا بدّ من أن تكون توبته خوفا من الله ، لا من الناس من أنّهم لا يصلّون وراءه ، أو لا يقبلون شهادته مثلا.
فالثبوت بمجرّد الإظهار لا يخلو عن إشكال ، سيّما مع كونها شرطا ، فلا بدّ من الوثوق ، ويحصل من القرائن.
ويحتمل القبول بمجرّد الإظهار ، حملا لأفعال المسلم على الصحّة ، حتّى أنّ الشيخ صحّح أن يقول القاضي للشاهد : تب حتّى أقبل شهادتك ، فيتوب فيقبل شهادته (٤).
وفيه ما فيه ، والاحتياط طريق واضح ، وربّما يكون القبول أحوط ، وربّما يكون عدمه أحوط ، هذا في صورة الشكّ ، وإلّا وربّما يحصل العلم بالتوبة أو بعدمها ، وربّما يحصل الظنّ ، ولعلّه مثل العلم معتبر في المقام ، فتأمّل جدّا!
بل إذا صدر منه ذنب لم يطّلع عليه سوى الله تعالى فلا بدّ من التوبة منه ، إذ هي واجبة ، وإن كان الناس من جهة عدم اطّلاعهم ، لا مانع لهم من الصلاة خلفه وقبول شهادته ، إلّا أنّه كيف لا يستحيي من الله تعالى في أنّه يتقدّم على القوم ويصير شفيعهم إلى الله تعالى؟! مع كونه عاصيا بعيدا عن رحمهالله تعالى محتاجا إلى
__________________
(١) المقنع : ٣٩٧ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٣٢٦ ، السرائر : ٢ / ١١٦.
(٢) القواعد والفوائد : ١ / ٢٢٨ ، الحدائق الناضرة : ١٠ / ٥٦.
(٣) ذخيرة المعاد : ٣٠٥ ، الحدائق الناضرة : ١٠ / ٥٦.
(٤) المبسوط : ٨ / ١٧٩.